مع بديهية القول إن لا تغيير في سياسة الإدارة الأميركية لمجرد التجديد للرئيس باراك أوباما 4 سنوات أخرى، فإن هذا لا يمنع القادة العرب ونخبهم والرأي العام في المنطقة من توقع الجديد في خطواته على صعيد الشرق الأوسط. وإذا كانت سياسته تجاه المنطقة اتصفت بالتحفظ والتردد والتراجع وتعثر وعوده ومواقفه حيال القضية الفلسطينية وشكلت خيبة كبيرة قياساً الى ما صرح وأوحى به عند بداية ولايته الأولى عام 2008، لا سيما بالنسبة الى عجزه عن وضع حد للاستيطان الإسرائيلي، فقد يكون الأصح عدم توقع تغيير جذري في سياسته حيال الشرق الأوسط، بل ربما تغيير في الأداء وإمكان توقع سياسة نشطة أكثر تفرضها عليه دينامية الأحداث، خصوصاً في ما يتعلق بمشكلة المجتمع الدولي مع إيران، إذ يَعِد دنيس روس بأن يقدم «عرضاً ديبلوماسياً ضخماً» لطهران في محاولة منه لمواصلة إعطائه الأولوية للحل السياسي بدل العسكري الذي تلحّ عليه إسرائيل. وإذا كان مصدر توقع عدم حصول تغيير جذري في سياسة أوباما الخارجية هو أولوية التحديات الاقتصادية الداخلية التي كانت العامل الحاسم في خيارات الناخبين الأميركيين الذين حملوه ثانية الى البيت الأبيض، فإن أبرز دليل على ذلك هو أنه حصل على 70 في المئة من أصوات الناخبين اليهود، على رغم خلافه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حول إيران وفي شأن عملية السلام، وعلى رغم انحياز نتانياهو الى ميت رومني، صديقه الشخصي، الذي كان يعوّل عليه لضمان دعم أكثر عمقاً من واشنطن لسياساته. حتى أن الناخبين المؤيدين لإسرائيل صوتوا في غالبيتهم وفق أولوية معالجة التحديات الاقتصادية الداخلية، وليس وفق ما ترغب فيه القيادة الإسرائيلية الحالية... إلا أن توقع جديد في السياسة الخارجية لأوباما، على رغم استبعاد التغيير الجذري يعود الى أسباب عدة أبرزها أن دخول إدارته منذ ما يقارب السنة في حال من الكوما الانتخابية خفض اهتمامه بالموضوع الأبرز في الشرق الأوسط، أي الأزمة السورية، الى ما دون التحفظ أو التردد الذي يتسم به أسلوب «القيادة من الخلف»، الذي اعتمده حيال تطورات الربيع العربي. امتنع أوباما حتى عن اعتماد أسلوب «القيادة من الخلف» إزاء الأزمة السورية بحجة تجنب أي «خطأ» ينعكس سلباً على حملته الانتخابية. وإذا صح الانطباع القائل إن الامتناع عن أي دور فاعل كان هدفه إنهاك النظام السوري والمعارضة على السواء كي تخرج سورية محطمة وضعيفة من حربها الأهلية في شكل يطمئن إسرائيل الى أمنها من دولة محورية على حدودها، مع ممارسة الضغوط كي لا تفيض الأزمة خارج الحدود الى دول الجوار، فإن انتهاء الانتخابات الرئاسية تزامن مع تصاعد مظاهر انتقال الأزمة الى دول الجوار، الى درجة أنه بات هناك نقاش علني حول طلب تركيا نشر صواريخ باتريوت على الحدود التركية – السورية بعد شهرين متوترين بأعمال قصف وقصف مضاد بين الدولتين، ومع تزايد عمليات حزب العمال الكردستاني المدعوم من نظام دمشق ومن طهران، على الأراضي التركية، فضلاً عن ظهور عدد من الخلايا المرسلة من الاستخبارات السورية الى الأردن، وصولاً الى الخروق اليومية للأراضي اللبنانية، وانتهاء باغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن الذي اعتبره قادة لبنانيون ومسؤولو دول عربية وغربية أحد خطوات نقل الأزمة السورية الى لبنان، بعد كشف الحسن مخطط التفجيرات الذي كان يعد له الوزير السابق ميشال سماحة بالتنسيق مع الاستخبارات السورية. فهل سيتمكن أوباما من غض النظر عن الانعكاسات الإقليمية للأزمة السورية وإشاحة النظر عن دعم المعارضة السورية بحجة عدم توحيد رؤيتها، وإهمال التفاهم مع روسيا كلاعب دولي أساسي يدعم النظام؟ وهل بإمكان أوباما مواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية حتى لا تقدم على خطوة طلب الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الجمعية العمومية في الأممالمتحدة، وأن يتغاضى عن خروج «حماس» من المحور الإيراني – السوري، والوصول بخصومتها مع النظام السوري الى درجة اقتحام الاستخبارات السورية مكتبها في دمشق فيما الاحتقان الفلسطيني من الممارسات الإسرائيلية في غزة والضفة، أخذ يهيئ الأرض لانتفاضة ثالثة؟ ثمة مبرر استراتيجي لدى أوباما كي لا يكون الشرق الأوسط، بكل أزماته الملتهبة أولوية مثلما كان لإدارات سابقة، هو ما أعلنه في خطاب الانتصار الذي ألقاه أول من أمس، حين تحدث عن «خفض اعتماد أميركا على النفط الأجنبي». وهو أمر ناجم عن اكتشافات الغاز الجديدة في الولاياتالمتحدة بترليونات الأمتار المكعبة والتي تكفي حاجتها الى الوقود والطاقة لأكثر من قرن ونصف القرن. إلا أن السنوات التي قد يستغرقها استخراج هذا الغاز قد تشهد اشتعالاً للمنطقة وتراكمات لن يستطيع أوباما الاكتفاء بمعالجتها عبر القيادة من الخلف وسيكون مجبراً على التعاطي معها نظراً الى انعكاساتها الدولية.