ما يقارب ثمانية آلاف شخص جديد يخضعون للعلاج في مجمعات الصحة النفسية خلال فترة لا تتعدى الأشهر العشرة، ومن بين هذا العدد تكون المرأة السعودية هي الأكثر، وهذه الإحصائية محددة على المنطقة الشرقية فقط، فكيف الحال بالمنطقة الوسطى والشمالية والغربية. ما الذي يدفع المرأة السعودية إلى مراجعة العيادات النفسية؟ ولماذا يكون الحيز الأكبر في أعداد المراجعين لهذه العيادات النفسية، سواء من ناحية العلاج، أو الاستشارة من صالح المرأة السعودية؟ نجد الجواب عن هذا السؤال هو أن قضايا المرأة، والعقبات التي تواجهها، جميعها تتمحور حول الإطار الديني والعادات والتقاليد. الوصاية على المرأة في السعودية ليس لها سقف محدد، فالمرأة تقبع تحت وصاية وولاية الرجل، حتى وإن وصلت إلى أرذل العمر، فمثلاً المرأة السعودية لا تستطيع استخراج الهوية الوطنية من دون الحاجة إلى ورقة ولي الأمر، كذلك فهي لا تستطيع أن تنشئ عملاً خاصاً بها من دون وجود وكيل شرعي، بغض النظر عما يصاحب هذا الوكيل من نصب واحتيال، وبالنسبة لحضانة الأطفال، فمن المستحيل أن تجد قاضياً لا يتقن الانحيازية للرجل، حتى وإن سمح للمرأة بحضانة الأطفال، فالعاقبة ستكون أشد من جهة أن الرجل لا توجد قوانين صارمة تُلزمه بدفع النفقة، علاوة على أن حضانة المرأة للأطفال معرضة للسحب في أي وقت، ومن دون أي سبب يذكر، إضافة إلى أن ورقة هذه الحضانة ليس معترفاً بها في الإدارات والجهات الحكومية، مثل التسجيل في المدارس، واستخراج جواز السفر، ووصلت إلى عدم إجراء أي عملية في المستشفيات الحكومية من دون موافقة الأب، بصريح العبارة فورقة الحضانة تجعل المرأة السعودية مجرد حارس أمن على الأطفال. عند الحديث عن عمل المرأة السعودية نجد شريحة واسعة، سواء من رجال العادات والتقاليد، أو رجال الدين، يعترضون عمل المرأة في أماكن الاختلاط، فقرار عمل المرأة بمهنة «الكاشيرة» خير دليل، التي صاحبتها موجة غضب تحت مسمى الاختلاط، أما إذا كانت المرأة تعمل على الأرصفة، فهذا العمل شريف في نظر هذه الفئة، بغض النظر عن كرامة المرأة، ليس هذا فحسب بل إن عمل المرأة بمهنة «عاملة منزلية» يعتبر في نظرهم إهانة لكرامة المرأة، التي أصبحت في حيرة من أمرها، لا تعلم متى تكون الكرامة في وضعية الإهانة؟ ومتى تكون غير ذلك؟ باختصار عمل المرأة داخل المجمعات التجارية يعتبر محرماً، تحت سقف الاختلاط، وعملها بمهنة عاملة منزلية إهانة لكرامتها، ما المانع في أن تعمل المرأة السعودية بمهنة «عاملة منزلية» أو «كاشيرة»، أليس هذا أفضل من العمل على الأرصفة، أو تكدس النساء عند أبواب الجمعيات الخيرية، بانتظار صدقة جارحة خادشة للكرامة، لا تأتي إلا بعد خروج الروح ولا تسمن ولا تغني من جوع؟ عند الوصول إلى المحطة الأكثر جدلاً، وهي قيادة المرأة السيارة، نجد أن شريحة واسعة من رجال العادات والتقاليد معارضون لقيادة المرأة السيارة، فيما لم يكتفِ رجال الدين بالمعارضة فقط، بل سطرت فتاوى التحريم التي لا أساس لها من الصحة، فعندما ننظر إلى فوائد منع المرأة من قيادة السيارة لا نجد فائدة واحدة، بينما لو نظرنا إلى الأضرار التي وإن سطر البحر مداداً لن يكفينا لسردها واحدة تلو الأخرى، ومن بينها قضايا التحرش، والسرقة من السائقين الأجانب، علاوة على أعداد الوافدين بمهنة سائق، حتى وإن كان لا يتقن القيادة، إضافة إلى الحوالات السنوية بالبلايين، التي تنخر أركان الاقتصاد الوطني. في نهاية المطاف تبين أن العادات والتقاليد لا تشكل عقبة أمام قضايا المرأة السعودية، ما لم يتم توظيفها من رجال الدين، الذين أخذوا على عاتقهم فتاوى التحريم من دون النظر إلى هذه القضايا من زوايا عدة، متناسين أن الله ليس بظلام للعبيد. هذه نبذة مختصرة ثلاثية لقضايا المرأة، التي أصبحت فيها مجرد متابع لا علاقة لها بالحلول، ولا يسمح لها أيضاً أن تتجاذب أطراف الحديث، يبقى السؤال متى ستجد المرأة السعودية الحل، بدلاً من تحمل تكاليف العلاج النفسي، وبيروقراطية العيادات النفسية، والانتهاء من رحلة المواعيد تلو الأخرى؟ [email protected]