على الرغم من الجهود الكبيرة والواضحة التي تبذلها القيادة السياسية في منح المرأة كافة حقوقها، والعمل على إشراكها بشكل حقيقي وفاعل في مسيرة التنمية، إلاّ أن المؤسسات الحكومية تبدو متأخرة وغير متناغمة مع هذه الرؤية على أرض الواقع.. فكيف لهذه المؤسسات أن تعمل على تحقيق هذه الرؤية ونجدها في حيز التنفيذ والتطبيق؟، وهل آن الأوان لنرى مشاركات ومساهمات جادة للمرأة في مجالات جديدة؟، وأن تتعدد أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.. وكيف يتحقق ذلك؟، وما هو الدور المأمول من المجتمع في هذا السياق؟، أسئلة تقف عليها "الرياض" في الحلقة الثانية من هذا الملف "الرؤية االمؤسسية" لتبحث عن آراء المختصين في ذلك، وكيف يقفون على تلك الرؤية؟ المرأة تجاوزت «الدعم المعنوي» بحثاً عن قرارات للتغيير النظرة الشرعية في البداية يقول رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة مكةالمكرمة د. أحمد قاسم الغامدي ان المرأة تتمتع في الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بشخصيتها المستقلة وحريتها الكاملة في التصرف بأموالها دون إذن زوجها، لأنها في هذا كالرجل سواء بسواء، وكذلك لها أن تشتري وتبيع وتُتاجر وتعقد الصفقات وتشارك وتؤجر وترهن وتقرض وتهب وتوصي وترعى وتزرع، ولها الحق في أن تمتهن أي مهنة تحبها وتختارها، حتى أن من الفقهاء من أجاز توليتها القضاء، ولها أن تفتي الناس بأحكام الشريعة إذا كانت عالمة بها، كما كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تفتي الصحابة في المسائل التي عرفتها وغابت عنهم، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي لا يعارض عمل المرأة في كافة المهن طالما كرامتها مصونة ولا تسيء إلى أنوثتها، قال صلى الله عليه وسلم (إنما النساء شقائق الرجال)، فالمرأة في الشريعة شقيقة الرجل، لها مثل حقوقه داخل الأسرة وخارجها، ولها مثل الذي عليها بالمعروف، تلك هي بعض المعالم الرئيسة في نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة بعيدة تماماً عن النظرة المتأثرة بما أفرزته أوضاع متخلفة في تاريخ الحضارة الإسلامية اختلطت مع الزمن بتعاليم الإسلام وروح الشريعة. المساواة مع الرجل وأضاف أن الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية واستخلفهما معاً لعمران الكون، وساوى بين الرجال والنساء في الواجبات الدينية وفي المسؤولية وفي الثواب والعقاب، كما أعطت الشريعة الإسلامية المرأة حرية الاختيار لمن يريد أن يتزوجها، ولم يقصر الحق في الفراق على الرجل، كما يجري الفهم القائم على تقاليد وأعراف اجتماعية، مؤكداً على أن الإسلام أرسى قاعدة مكينة لمكانة المرأة بالنسبة لكرامتها ولمساواتها بالرجل، إلا في جوانب اختص بها كل منهما عن الآخر لحكمة عمارة الأرض ولم يمنعها من حقها في المشاركة الفعلية في شؤون الحياة، كما فعلت كثير من فضليات النساء في كثير من حقب التاريخ. د. الغامدي: رؤى فقهية همّشت دور المرأة وتأثرت بها مؤسسات المجتمع مدرسة المرأة وأشار إلى أن للمرأة دورا اجتماعيا وثقافيا كبيرا، فالبيئة التي يعيش فيها الطفل في السنوات الأولى من عمره، المرأة تلعب دوراً رئيساً فيه بتنمية تلك الموارد البشرية الصغيرة، لأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى لتربية الطفل وتنشئته، وفيها يوضع الحجر الأساس التربوي، حيث يكون الطفل يتقبل التوجيه ويتعوده ويلتقط ما يدور حوله من صور وعادات وتقاليد وثقافة للبيئة التي يعيش فيها، فيتعلم مبادئ الحياة الاجتماعية والمعارف والعادات الصحية السليمة، وتنمي المرأة طاقات أبنائها عن طريق إشراكهم في النشاط البدني، وتنمي فيهم الوعي الفكري والثقافي، وتقوم بتوعيتهم دينياً وسياسياً حتى لا يقعوا فريسة لموجات التطرف أو التهاون أو الضياع دينياً ودنيوياً، فهي ترسخ فيهم القيم والسلوك والعادات الإسلامية المعتدلة المطلوبة، وهذه التنمية والتربية تقوم على أساس المساواة بين الذكور والإناث، فكل ما يتلقاه الطفل من عناية ورعاية وتنمية في السنوات الأولى من عمره يشكل أقصى حد ما سيكون عليه عند بلوغه، إضافة إلى ما تقوم به من أعمال الاقتصاد المنزلي والترتيب والتنظيف، وصنع الغذاء، وتوزيع دخل الأسرة على بنود الإنفاق المنزلي، كما أنها في بعض الأحيان قد تتحمل المسؤولية كاملة في حالة غياب الزوج أو وفاته، بالإضافة إلى عملها خارج المنزل. متطوعات في هيئة الهلال الأحمر نجحن في مهمتهن الإنسانية خلال «كارثة جدة» دور المؤسسات وقال د. الغامدي: إن إسهامات المرأة الاجتماعية والثقافية تعتمد كثيراً على مدى الخدمات المقدمة من المجتمع التي تساعدها على القيام بهذه الأدوار، وتتمثل في كل ما يمكن أن تساهم فيه المرأة بدور يناسب طبيعتها في المؤسسات الرسمية أو الأهلية، وأخص بالذات منشآت الخدمات الاجتماعية كالوحدات الاجتماعية، ودور الحضانة، ومراكز التدريب المهني، ومكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية، ومراكز الخدمات الصحية المتمثلة في المستشفيات العامة ومستشفيات الولادة، ومراكز رعاية الطفولة والأمومة، والمستوصفات، ومراكز تنظيم الأسرة، ومنشآت الخدمات الثقافية التي تمثلت في وسائل الإعلام، والمكتبات، والأندية الرياضية والاجتماعية، مؤكداً على أن المرأة ليست في حاجة إلى الخدمات من الرجل فقط، ولكنها في حاجة أيضاً إلى إعدادها الإعداد الجيد وتمكينها من القيام بكل هذه الإسهامات، فإذا كان المجتمع يريد الاستفادة من مساهمة النساء كاملة في التنمية، فعليه أن يساعدها على أداء دورها بالإعداد والإجراءات التي تساعدها على تحمل مسؤوليتها، ويتضمن هذا الإعداد إلمام المرأة بالمعلومات الكافية في النواحي الصحية والثقافية والبيئية، كما يتضمن هذا الإعداد تنمية مهاراتهن على استخدام هذه المعلومات في كل نواحي الحياة، وتدعيم اتجاهاتهن، وإيمانهن بأهمية دورهن في تنمية مجتمعهن وتنمية الوعي الثقافي لديهن ليتعرفن على ما يدور حولهن في العالم المحلي والخارجي، وليتعرفن حقوقهن وواجباتهن، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق المزيد من الخدمات التعليمية والبرامج الثقافية المقدمة للمرأة. برامج الندوة العالمية لتنمية المهارات والمشاركة في الأعمال الإنسانية حق المرأة وأضاف أن الإسلام أنصف المرأة، ورفع عنها الحيف وما عانته من تمييز في الجاهلية، وكان من أثر ذلك، الاعتراف بحقها في المشاركة في تدبير شؤون المجتمع كافة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية حتى أصبحت تشارك الرجل سواء بسواء في تسيير شؤون المجتمع وتدبيره، ولها شأن في كل المجالات حتى المجال السياسي، حيث تستشار في الأمور كلها، أكانت اجتماعية أو اقتصادية أو إدارية، مؤكداً على أن المرأة تقوم بدورها داخل الأسرة وداخل المجتمع دون تثريب، وهو اختيار لها ولم يوجب عليها ولا ينبغي أن تمنع منه طالما لم يخرج عن طبيعتها التي خلقها الله عليها، ولم يكن مصحوباً بأمر متفق على تحريمه، حيث شاركت المرأة على هذا النحو بقوة في الحياة العامة، وساهمت في نشر الدعوة والتنمية بما يشرفها على مدى التاريخ، موضحاً أن الله سبحانه خلق الرجل والمرأة وأناط بكل منهما دوراً أساسياً للقيام بمهمة الاستخلاف على هذه الأرض وإعمارها بما يتلاءم والطبيعة الفطرية التي خُلقا عليها، ومن هنا جاءت الأحكام الشرعية والآداب العامة محددة دور كل من الرجل والمرأة، ومؤكدة أهمية المسؤوليات المناطة على عاتقهما على حد سواء. الزامل: لا تنتظر من يطرق عنها الباب.. وأتمنى رؤيتها في «الشورى» إدارة العمل المؤسسي واشار إلى أن المرأة ركن أساسي من أركان المجتمع المسلم في مجاليه العام والخاص في حاضره ومستقبله، وهي قاعدة رئيسية لإنتاج القيم والمبادئ الأساسية للمجتمع وللأمة بأسرها، سواء من خلال دورها كأم أو من خلال أدوارها العامة ومشاركتها في المجتمع، فالمرأة بحكم قيامها على عملية التنشئة الاجتماعية الأولى ودورها الكبير في البناء الأسرى والاجتماعي تعتبر مدخلا عظيم الأهمية للتغيير والإصلاح والبناء، وطاقة عقلية وعملية هائلة يمكن أن تسهم بدور عظيم في عمليات العمران والتنمية للمجتمعات، ومن هنا اتخذت المرأة في صلب التشريعات والآداب الإسلامية، مكانة محورية مكنتها من القيام بدور بارز، انعكست تأثيراته في مختلف الإسهامات التي شاركت فيها المرأة المسلمة وعلى مختلف الأصعدة الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بَيد أن هذا الدور البارز كانت تعترضه في بعض الفترات التاريخية، صعوبات وتحديات، تأتي - في كثير من الأحيان - من طبيعة البيئات والظرفية الاجتماعية والعرفية المحيطة بوضع المرأة ودورها في تلك المجتمعات المختلفة، وإما من بعض الرؤى الفقهية التي ترى المنع الأمر الذي كان يؤدي أحياناً إلى ضعف الدور الذي تؤديه المرأة في بعض الميادين بل وتهميشه أيضاً، مؤكداً على أن أي معالجة جادة لهذه الصعوبات، لا يكفي فيها مجرد الرجوع إلى الجانب التنظيري والحوار فحسب، بل تتطلب دورا رياديا في تقديم نماذج ناجحة مقنعة من قبل الجهات المعنية بتنظيم عمل المرأة ودورها ليتحقق للمجتمع جدوى تفعيل تلك الأدوار وتطويرها، ويجب أن يسبق ذلك إلمام حقيقي بجملة العوامل والظروف التي يمكن أن تسهم في تحقيق المرأة لذلك الدور كحلول ابداعية لتلك الصعوبات، وفي محاولة جادة للانتقال من واقع التنظير إلى حيز التنفيذ والتطبيق الصحيح. 1950 متطوعاً ومتطوعة يجمعون المساعدات العينية عبر «الفيس بوك» تغيير النظرة ويشدد عضو مجلس الشورى والكاتب نجيب الزامل على ضرورة مطالبة المرأة بحقوقها السياسية، فهناك أمران لا يمكن أن يتحققا للإنسان إذا لم يحارب بنفسه من أجلهما، الأمر الأول الحرية، والثاني الحق الإنساني، مشيراً إلى أن المرأة لابد أن تثبت لنفسها وللمجتمع أنها عقل كامل بكل المقاييس، فإذا كانت الثقافة العامة تصدر حكمها من مبدأ "المرأة ناقصة عقل ودين"، وتفهمه على غير موضعه كيف لها أن تجد مكانها في الحياة السياسية وهي مؤمنة بضعفها وبأنها تختلف عن الرجل جسداً وعقلاً، فالاختلاف فسيولوجي، ولا يصل ذلك الاختلاف لعقلها، فالمرأة في القدرات العقلية كما الرجل فحتى العاطفة موزعة بين الرجل والمرأة بحسب الطبيعة، فقد نجد صعوبة في قبول عمل المرأة في منجم الذهب ولكن فيما يخص النبوغ الفكري، فلا خلاف بين الرجل والمرأة ومع مرور الزمن طورت المرأة الجانب العاطفي، مؤكداً على أن المرأة في المجتمعات المفتوحة منذ الصغر يسلم لها المهمات التي تحتاج إلى "البرود العقلي"، والدليل بعض الشخصيات العالمية النسائية، أما المرأة في مجتمعنا فلا يوجد لدينا أمثلة عنها في الحياة السياسية لأنها منعت وصدّقت "هي" ما قيل عنها. د. الدخيل: دعوها تمارس حقوفها بعيداً عن «أسلوب المحاكمة» لا تنتظر أحداً! وقال إن المرأة مقبلة على مرحلة تاريخية لن تتكرر ولابد من استغلالها بشكل جيد في ظل القائد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولابد أن تطرق الباب ولا تنتظر من يطرق عنها، فمن الملاحظ بأنه من أكثر المجالات التي تفوقت فيها المرأة السعودية ووصلت إلى العالمية فيها مجالات الطب، وذلك بعد أن طالبت كثيراً وعانت بفتح المجالات في ذلك التخصص، ومن حمل الثقل الأكثر يكسب العضلات العقلية الأكبر، وإذا حققت يوماً ذاتها فإنها ستكون أنبل امرأة على وجه الأرض، ولكن عليها مهمة أكبر في المواصلة في مطالباتها لتجد مكانا لها، فالاعتبارات الدينية لا تتعارض مع ممارسة حقها الكامل والمرأة أكثر تحملاً للمسؤولية من الرجل منذ طفولتها حتى الكبر، وإذا كانت المرأة السعودية تؤمر بالبقاء في البيت لتربية الأبناء، فذلك يعني بأنها مسؤولة عن الشؤون الأسرية، وبالتالي يحق لها أن يكون بيدها القرار عن الأسرة بتقليدها منصبا في مجلس الشورى تتحدث فيه عن قضايا الأسرة مثل العنف والطلاق العشوائي القبيح! د. أحمد الغامدي توعية المجتمع ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود د. خالد الدخيل ضرورة توعية المجتمع بأهمية دور المرأة سياسياً؛ لأنه خاص بتنشئة الأجيال على القيم وعلى اتجاهات صناعة القرار وتحمل المسؤولية، ولذلك من يسيطر على التعليم فإنه يسيطر على توجهات المجتمع وعلى جزء أساسي من توجهاته، إلا أن القضية لا تنحصر على التعليم، فهناك المجال الثقافي والإعلامي والتعليم العالي والابتعاث والمؤسسات الدينية نفسها. نجيب الزامل وقال: من الأهمية بمكان أن يفتح المجال أمام المرأة ليس من أجل ارتقاب التجربة هل تنجح أم لا؟، بل من أجل تحقيق المبدأ، وهو دعم فكرة الحقوق في المجتمع، من خلال ممارسة حقها السياسي بأن المرأة إنسان ومواطن ودخولها يزيد من عملية التنوع في الاتجاهات السياسية في البلد، وذلك يمثل إثراء للثقافة السياسية، كما يزيد من الخيارات السياسية والمواقف والاتجاهات، وهذا أيضاً يغني الحياة السياسية في البلد، وليس من المهم أن تتعلم المرأة فقط، بل لابد من التدريب أيضاً فالوعي موجود والمرحلة لابد أن تكون مرحلة تنفيذ ومبادرة. حقوق «قيادة السيارة» و«السفر» قبل منصب «وزيرة»! يرى "د.خالد الدخيل" أن المجتمع بمافيه الجهات الرسمية غير مهيأ لقبول دور سياسي للمرأة، كما أن الدور السياسي للرجل محدود فكيف بالمرأة؟. وقال إن المجتمع لم يمنح المرأة الثقة الكاملة في الحصول على حقوقها الشخصية، فحرمها من قيادة السيارة، ومن السفر دون محرم، ولم يمنحها ثقته بأنها قادرة على خدمة نفسها وبأنها تستطيع الحفاظ على نفسها، فكيف من الممكن أن يمنحها ذلك المجتمع أن تمسك شأنا عاما مثل الشأن السياسي يصل إلى درجة تولي منصب "وزيرة"؟. سألت عمتي لماذا تصافحيني من خلف العباءة ..فأجابت:«الله يكرمك..لا أريد أن أنجسك»! كشف "نجيب الزامل" عن موقف خاص يعبّر عن تصديق المرأة السعودية للصورة الذهنية التي رسمها المجتمع عنها إلى وقت قريب. وقال:"كنت أسافر قديماً إلى بعض مناطق أقاربي، وألتقي بعمتي وخالتي فتمد يدها للسلام علي من خلف العباءة، وحينما أسألها لماذا لا تمدين يدك ظاهرة؟، تقول "الله يكرمك..لا أريد أن أنجسك!"، مشيراً إلى أن المرأة في مجتمعنا صدّقت ما قاله الرجل بأنها أقل قدرات منه، وهذا التصديق منها أسهم في هضم حقوقها على مدى عقود طويلة رغم أحقيتها، مستشهداً بنتائج التشريح العلمي التي كشفت أن جسد المرأة أرقى من جسد الرجل بكثير، وحتى على مستوى العاطفة والعقل هي أكثر تعقيداً وأرقى نوعياً وإعداداً وخلقاً، والدليل أن المرأة تستطيع أن تعمل في بيتها وخارج بيتها وتبدع بسهولة ويعجز الرجل عن ذلك، كما أنها الأقدر على تحمل الأحداث، وصناعة كثير من الرجال الذين بقيت ذاكرتهم في التاريخ. د. خالد الدخيل