عرض المخرج التونسي عبداللطيف بن عمار في مهرجان دولي للفيلم العربي في وهران ثماني دقائق من فيلمه الجديد «شامة وألم النخيل». بالطبع يمكن الاشادة بالتجربة، لأنها ثمرة تعاون جزائري – تونسي مشترك، وهذا بحد ذاته أمر ايجابي، ما يعني أن هناك فسحة بالفعل لتلاقي الأفكار وتلاقحها بغية تسهيل عمليات انتاجها. مشروع عبداللطيف بن عمار الجديد كان يحمل اسم «شارع النخيل الجريح»، ولكنه قرر بعد الانتهاء من عملياته الفنية تغيير الاسم، «فوجود شارع طويل في مدينة بنزرت التونسية اصطفت فيه على الجانبين مئات أشجار النخيل المعمّرة جعل الاسم يتبدل، ويمكنك وأنت تتجول بينها أن تلاحظ أن هذه الأشجار مثقبة من الجانبين، وعندما تسأل الناس عن سبب هذه الثقوب، سيجيبك البعض بأن ثمة داء أصاب هذه الأشجار، وهم يجهلون في الحقيقة أن حرب بنزرت هي من سبب الثقوب». وعد... عبداللطيف بن عمار انتهى من تصوير فيلمه أواخر نيسان (أبريل) الماضي، وقد أنجز عملياته الفنية قبل يومين من حضوره إلى الجزائر، كما قال في حواره مع «الحياة». وأضاف رداً على سؤال حول الهدف من عرض ثماني دقائق من الفيلم على الضيوف: «هو وعد مني، ذلك أن المهرجان هو من احتضن المشروع، وشجّع عليه منذ الدورة الماضية، فمنذ أن قدمت المشروع قام حمراوي حبيب شوقي والمخرجة والمنتجة الجزائرية ناديا شرابي بدعمه، وهما من أتاح لي الفرصة لأنجزه بهذه السرعة». حول ما إذا كانت بالفعل مشكلة السينما العربية تكمن في التمويل فقط، يقول بن عمار: «بالتأكيد لا... ثمة مشاكل أخرى، ولكن يستحسن أن يدور الحديث عنها في المهرجانات بين الضيوف والنقاد لوضع اليد عليها، وهذا أفضل برأيي كي تأخذ المشاريع حظوظها في المهرجانات وترى النور، وتصبح فرصة دعمها وإشهارها ممكنة». وينفي المخرج التونسي بن عمار أن يكون مشروعه الجديد قائماً على الارتجال الذي ميز في فترات سابقة الكثير من المشروعات التي لم يكتب لها الاستمرار: «كل شيء جائز، ولكن من حسن الحظ، وفي ما يخص هذا المشروع، فإن الأمور سارت في شكل جيد ووصل إلى نهاياته بالمعنى الايجابي للكلمة». ويعلق صاحب «عزيزة» على بعض المهرجانات العربية التي لا تهتم بمشاكل السينما العربية بقدر إقبالها على البذخ واستقدام النجوم بالقول: «نعم مشكلة السينما العربية تكمن في الانتاج، وليس في العرض. نفضل إلى جانب استقدام النجوم من أي فئة كانوا أن نتلاقى لنبحث في مشاريع مستقبلية أيضاً». ويقول بن عمار إن ما بين فيلمه «عزيزة» الذي أنتج مع الجانب الجزائري قبل ثلاثة عقود تقريباً، وفيلمه «شامة وألم النخيل» الذي ينتج اليوم مع الجانب نفسه أيضاً: «ثمة فوارق مهمة في انتاج اليوم، فالقطاع الخاص يقبل بهمة واضحة، وهذه الفوارق تظهر أكثر فأكثر في اللغة الانتاجية والسرعة في اتخاذ القرارات وديناميكية الحركة التي لم تكن متوافرة من قبل كما في عهد «عزيزة» الذي أنتج بالتعاون مع القطاع العام». وينفي بن عمار أن تكون هناك معوقات بيروقراطية وضعها القطاع الخاص في طريقه لأن هذا يتنافى مع هويته «وهو قام بعمله على أكمل وجه». ولا يعتبر عبداللطيف بن عمار الذي شارك بفيلمه «حكاية بسيطة كهذه» في المسابقة الرسمية في مهرجان كان عام 1970 أن دعوته للانتاج العربي المشترك فيها نوع من الانكفاء نحو الداخل والكف عن البحث عن مصادر تمويل غربية، ويقول: «أنا أعتبر أن التعاون العربي – العربي هو الوسيلة الوحيدة المؤثرة في المستقبل للنهوض بواقع السينما العربية. فالتمويل الخارجي له خصوصياته، وإذا كانت الفكرة عربية بالكامل، فإن مموليها عادة يطلبون تغييرات أو اضافات على مضامينها، وهذا ما حدث مع كل الأفلام التي صورت بالتعاون مع الغرب». وحول ما إذا كان هذا الكلام الذي يصدر عنه يشكل ادانة لكل التجارب السابقة التي عمل هو أيضاً فيها، يقول: «هذه ليست ادانة. السينما الغربية مهمة جداً، والتعامل معها يوفر خبرة ومعرفة استثنائية للمخرج السينمائي، ولكن الاشكالية أن الغرب لا يمول إلا الأفلام التي تتماشى مع نظرته، لأن موضوع التاريخ والمبادئ الانسانية والثقافة يجب أن تحال على الدوام إلى الرؤيا الغربية نفسها». تعاون وحول مغزى دعوته إلى الإنتاج العربي المشترك بعد خبرته الطويلة في التعامل مع الغرب كتقني، وهو عمل مع روبرتو روسيلليني وفرنكو زفيريللي وكلود شابرول، يقول بن عمار: «العالم العربي في حاجة إلى إنتاج سينمائي يطرق مشاكله ومشاغله، ويكون كمرآة للمشاكل التي تعترض شعوبه العربية، وليس ممكناً للتمويل أو الإنتاج أن يأتيا من خارج حدود العالم العربي، فإذا أردت أن تفتتح المدارس، الأساتذة يجب أن يكونوا عرباً، ولديهم الخبرة والكفاءة اللازمتان. وعلى العالم العربي أن يكف عن الشكوى ويبدأ بتمويل أفلامه إذا كان في حاجة بالفعل إلى الإنتاج الثقافي والمعرفي». وحول ما إذا كان العالم العربي بأوضاعه الحالية قادراً على البحث والمبادرة، يقول بن عمار: «الموضوع ليس عمومياً إلى هذا الحد، فكل مشروع له خصوصيته، فالسينما الهندية مثلاً ممولة 100 في المئة من الطاقة المادية الهندية، وليس ممكناً لها أن تكون مرتبطة بتمويلات خارجية. هذا يعني أن أي بلد يملك سياسة إنتاج ثقافي حقة يجب أن يعول على إمكاناته الداخلية، فأهمية الإنتاج الثقافي اليوم أصبحت توازي أهمية الشعوب في بقائها، ولم يعد ممكناً بالتالي أن تظل مرتبطاً بالخارج إلى ما لا نهاية». وحول ما إذا كانت بعض القطاعات السينمائية العربية قادرة على فك الارتباط مع عجلة الإنتاج السينمائي الأجنبي، يقول: «بإمكانها من دون شك أن تأخذ على عاتقها مصير الإنتاج السينمائي، وهذا ليس بعيداً منها، وعلى كل التقنيين والمخرجين العرب أن يبحثوا التكامل في ما بينهم، وأن يأخذوا في الاعتبار كل المسائل الثقافية وليس الاهتمام بفرع من الفروع، وأن يضعوا في الحسبان أن الإنتاج السينمائي السمعي - البصري شيء مهم للجمهور. ويظل السؤال الأهم هو ما إذا كان الإنسان العربي بحاجة إلى استهلاك صور تعبر عن مشاكله وتصور عوالمه وأمانيه وأحلامه. هذا ما يجب أن نتأكد منه». ويضيف بن عمار حول هذه النقطة موضحاً: «أعتقد أن المشاهد العربي يريد طرق مواضيع تهمه، وهو يريد أبطالاً من عالمه يتكلمون باسمه وباسم ثقافته وأحاسيسه. يريد أن يكون هدف الإنتاج الثقافي والمصدر والهدف». وحول افتراض النجاح في الإنتاج العربي المشترك وتحقيق بعض الاختراقات على هذه الجبهة، فإن التوزيع سيظل مسألة مؤرقة للقائمين على الإنتاج المستقبلي، وهذا ما دفع بن عمار للقول: «من الضروري أن تفتح الأسواق أمام السينما العربية، لأن الثقافة لا تقبل بالحدود السياسية والاقتصادية، ويمكن كفكرة أن نستعين بالمحطات التلفزيونية والرأي العام والنقاد. الإنتاج الثقافي هو شيء يستهلك، ولكن لا رد فعل من طرف الجمهور، ومن المهم أن يضطلع بدور وأن يكون له رأي في الموضوع، أهمية الإنتاج السمعي - البصري تكمن في تجاوز الحدود السياسية والاقتصادية». تاريخ وحول موضوع «شامة وألم النخيل» يقول عبداللطيف بن عمار إن فيلمه يتكلم على: «تزييف التاريخ من طرف بعض المؤرخين العرب، ويطرق مشكلة التاريخ الرسمي العربي الذي كتب على يد المؤرخين الرسميين، وهو التاريخ الذي لم يترك للمواطن العربي المراجع التي تخص ماضيه، والتي يمكن في وقت من الأوقات أن تحرضه على فهم أوضاعه الحالية». تشارك في الفيلم مجموعة من الممثلين الجزائريين والتونسيين، منهم: ريم تاكروشت، حسان قشاش، عايدة كشود، العربي زكال، ناجي ناجح، جوهر الباسطي، ليلى واز. وأدار التصوير التونسي حسان العمري، وكتب الموسيقى للفيلم الجزائري فريد عوامر.