أمضى رجل الأعمال الفلسطيني بسام بدران عمره في البحث عن القطع الأثرية والتاريخية النادرة التي تسرد أنماط الحياة في فلسطين عبر أزمان مختلفة. وعلى قمة أحد جبال قرية بلعا، قرب مدينة طولكرم في شمال الضفة الغربية، المطلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بنى بدران مشروع عمره، وهو متحف المنطار للتراث الفلسطيني، والمنتجع البيئي الأول في فلسطين الذي بني من مكونات الطبيعة على أرض لها حكايتها الخاصة. ويلخص متحف المنطار الحكاية الفلسطينية في ظل احتلالات وأنظمة حكم مختلفة، ويروي كيف كانت فلسطين مهداً لتعدد الثقافات، ومنارة للعلم والفن، ومكاناً للتجارة البحرية والبرية الحرة. ومنذ عام 1972 وبدران (أبو غيفارا)، يجمع القطع التراثية والتاريخية الفلسطينية في منزله في محاولة لحفظ التراث من السرقة. 36 سنة قضاها الرجل في جمع قطع أثرية وتاريخية فلسطينية في منزله، والذي بدا متحفاً عريقاً يكتظ بالآثار، ما بين قطع نقدية نادرة، وحلي عتيقة، وأوانٍ فخارية ضاربة في القدم، وملابس الجدات الفلسطينيات، وأدوات الزراعة والفلاحة والحصاد، ليمزج ما بين الآثار والتراث وما بين الطبيعة في متحف يكاد يكون منتجعاً بمساحة الأرض المحيطة به. وفي المتحف ركن سمّاه أبو غيفارا «صندوق الكنز»، وهو الركن الزجاجي الذي وضع فيه بدران، الهوية الفلسطينية القديمة، ونسخاً أصلية من تعاملات بنكية يحتفظ بها منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيلي الأرضَ الفلسطينية، وشهادات جامعية، يفند فيها مزاعم الصهيونية القائمة على مقولة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ويقول بدران: «ما جمعته يدلل على الكينونة الفلسطينية الضاربة في الجذور، وبأننا أصحاب الأرض، وشعبها الأصلي، وهي رسالة إلى العالم، وإلى الشباب الفلسطيني، فعلى رغم الأدوات البسيطة التي كان يتعامل بواسطتها آباؤنا وأجدادنا مع يومياتهم في الأرض، وخارجها، كانت الروح التي يحملونها دواخلهم تجعلهم يصمدون مهما حوصروا. لكن اليوم، وفي كثير من الحالات، وعلى رغم كل التقنيات المتطورة، فإن غياب الروح قد يجعلنا نستسلم في أسبوع». وفي زاوية أخرى من المتحف، رتب بدران أدوات موسيقية قديمة على مقربة من أدوات منزلية أكثر قدماً، وكأنه يستحضر روح الحياة الفلسطينية القديمة، فالتراث كما يعرفه هو السلوك اليومي للفلسطيني على أرضه، في منزله وحقله. ويوضح بدران: «قبل الحرب العالمية الأولى، كان يمر قطار يحمل اسم «الإكسبرس السريع» من اسطنبول مروراً بلبنان، وسورية، عبر فلسطين، إلى مصر، قبل أن يرفع شارة الكاز التي كانوا يستخدمونها بالتوقف والمغادرة، والتي يحتفظ بمنزله المتحف بإحداها»، مضيفاً «بعد قرن من الزمن لا أستطيع الوصول بسيارتي إلى القرية المجاورة، بسبب سياسات الاحتلال، خصوصاً جدار الفصل العنصري، والحواجز العسكرية المنتشرة بالمئات في الضفة الغربية». واللافت أن بدران خلّد ذكرى زيتونات والده وجده التي اقتلعتها الجرافات الإسرائيلية، فصنع مما تبقى منها مقاعد خشب يستخدمها زوار المتحف للجلوس، وكأنها ليست فقط شاهدة على العصر، بل على الفاجعة أيضاً، حيث اجتمعت ملامح فلسطين القضية والتاريخ، فلكل قطعة فيه حكاية، والقديم لم يمت، ورائحة الهوية الفلسطينية تفوح من كل قطعة في متحف المنطار المحاط بأشجار لم تطاولها الجرافات بعد، ونوافير مياه لم تسطُ عليها الجمعيات الاستيطانية.