حسم بنيامين نتانياهو أمره بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، بهدف إجراء انتخابات مبكرة خلال شباط (فبراير) أو آذار (مارس) المقبلين، فترة من مخاض الحيرة بين محاولة إقرار الموازنة خلال 90 يوماً انتهت بالفشل على الاتفاق في شأنها بين أطراف الائتلاف، وبين التوجه لانتخابات مبكرة، وقد جاءت هذه الخطوة على خلفية مجموعة من تعقيدات أزمات داخلية وخارجية عدة، لم تفلح دوائر القرار في الائتلاف الحكومي في تفكيك تشابكاتها، أو إيجاد الحلول والمعالجات للجوهري منها. وفي هذا الصدد، قالت صحيفة «هآرتس» في موقعها على الشبكة، في 2 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري إن هناك شبه اتفاق بين كل مكونات الائتلاف الحكومي، بأن نتانياهو، سيفضل الإعلان قريباً، عن تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية إلى شهري شباط – آذار المقبلين، وذلك في ظل الصعوبات التي تواجهه لإقناع الكتل الائتلافية بالتصويت لمصلحة الموازنة الجديدة للعام المقبل، والتي ستتضمن تقليصات كبيرة في مختلف الوزارات، وهو ما ترفضه الأحزاب الائتلافية المختلفة. وأعلن كل من حزبي كاديما والعمل، عن جاهزيتهما لخوض الانتخابات. وقالت زعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش إن حزبها يشكل البديل المسؤول لحكومة نتانياهو، مضيفة أن حزب العمل يملك أجندة اجتماعية واقتصادية متماسكة، تختلف عن أجندة نتانياهو والليكود. وأضافت: «ان حكومة جديدة بقيادة حزبها ستطرح بديلاً مسؤولاً وجدياً لسياسة نتانياهو»، واتهمته بالفشل في المجال الاقتصادي وبتعميق الفوارق الاجتماعية في أوساط الجمهور». كما دعته إلى عدم مواصلة حال عدم اليقين في شأن الانتخابات، والاتفاق مع باقي الأحزاب على موعد محدد لإجرائها، لأن ذلك سيضع حداً لغياب الحكم الفعلي الذي يميز الحكومة اليوم بسبب عدم وجود موازنة عامة. ورأى زعيم حزب كاديما شاؤول موفاز أن حزبه جاهز للانتخابات، وأن المجتمع الإسرائيلي سيضع خطوطاً حمراً على رئيس الحكومة. ونقلت «معاريف» (3/10) عن موفاز قوله: «سمعنا رئيس الحكومة يتحدث أخيراً عن الخطوط الحمر، يوجد للجمهور الإسرائيلي أيضاً خطوط حمر؛ وهي ارتفاع الأسعار، والمساواة في العبء، وإقرار موازنة اجتماعية، وتسوية سياسية جديدة». واعتبر موفاز أن نتانياهو «تجاوز الخطوط الحمر كافة»، مدعياً أن باقي أحزاب المعارضة المنافسة لكاديما لا تشكل أي بديل له. هذا على مستوى قوى المعارضة، أما في ما يتعلق بأطراف الائتلاف الحكومي ذاته، فقد بدأ انفكاك تحالف نتانياهو – باراك، يهيمن على أجواء الانتخابات المبكرة، حين هاجم الأول وزير حربه، بسبب سفره سراً الى الولاياتالمتحدة. ونقلت مصادر إعلامية ان نتانياهو قال خلال اجتماع مع وزير المالية يوفال شتاينتز إن باراك سافر الى الولاياتالمتحدة لتأجيج الصراع بيننا وبين الاميركيين، لكي يُنظر اليه كمنقذ. وفي هذا الاجتماع قال شتاينتز: «يجب ان نحترس، الموازنة يمكن ان تلدغنا»، وأجابه نتانياهو: «ليس الموازنة فقط، تعلمون ما فعلته ديبلوماسية باراك، ذهب الى الولاياتالمتحدة لتأجيج الصراع بيننا وبين اوباما». فيما توقع محلل اسرائيلي يومها أن تكون محصلة هذا التوتر اتجاهاً نحو انهيار الائتلاف الحالي. وهكذا بين إقرار الموازنة، وما يكمن فيها من مغامرات اقتصادية واجتماعية، وبين التوجه نحو انتخابات مبكرة، كان مسؤولو حزب الليكود يميلون نحو التوصية بتقديم موعد الانتخابات، والتخلي عن محاولات إقرار الموازنة، حيث استند هؤلاء إلى أنه حتى لو نجح نتانياهو في التوصل إلى اتفاقات مع حزبي إسرائيل بيتنا وشاس، فإنه سيدفع في صندوق الاقتراع ثمن التقليص الدراماتيكي اللازم في الموازنة. وقد تكون العطلة الصيفية الطويلة للكنيست، أسعفت نتانياهو من حرج برلماني، كان ممكناً أن تسببه أحزاب في المعارضة والائتلاف الحكومي على السواء، حيال الأزمة الاقتصادية التي دخلتها إسرائيل في الشهرين الأخيرين، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهتها على حساب الشرائح الضعيفة. فالضريبة على البضائع وعلى المدخولات ارتفعت بدءاً من أول أيلول (سبتمبر)، وسعر البنزين سيسجل رقماً غير مسبوق (أكثر من دولارين لليتر الواحد)، فيما تخطط الحكومة لإنزال «ضربات اقتصادية» جديدة في إطار مشروع الموازنة للعام المقبل. لهذا شهدت حركة نتانياهو في الايام التي سبقت حسمه الأمر في اتجاه الانتخابات، مزيداً من التخبط؛ بين المغامرة بإقرار الموازنة، أو الذهاب نحو انتخابات مبكرة. ووفق تقارير صحافية، فإن أوساطاً واسعة في حزبه كانت تحضه على الخيار الثاني، لإدراكها أن الاقتطاع المتوقع من موازنات الرفاه الاجتماعي والصحة والتعليم سيثير حنق الشرائح الضعيفة، وهذه بغالبيتها محسوبة على أنصار ليكود وحزب شاس الديني المتزمت... هي إجراءات قاسية قد تتحوّل ذريعة لإسقاط الحكومة، واستفادة المعارضة انتخابياً على حساب الليكود. في المقابل، أشارت صحيفة «معاريف» إلى أن استطلاع رأي، أُجري بناءً على طلب نتانياهو لمعرفة الفجوة بينه وبين منافسيه الأساسيين، عاد لمصلحته، بعد أن أظهرت النتائج أن الليكود سينال لو أُجريت الانتخابات في المرحلة الحالية 31 مقعداً، فيما سينال حزب العمل 19 مقعداً. ولفتت الصحيفة إلى أن هذه النتائج تعود إلى تركيز الخطاب على التهديد الإيراني والمسائل الأمنية التي تمنح نتانياهو التفوق، كما يعزز هذا الاستطلاع الموقف الذي يتبنى تقديم موعد الانتخابات. * كاتب فلسطيني