أطلق رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو الشرارة الأولى في مسيرة تقريب موعد الانتخابات البرلمانية، مع أنه غير مقتنع تماماً بالفكرة. فهو يجري حسابات كثيرة ومعقدة حول الموضوع ويدخل في نقاشات حادة وصراعات مع بعض حلفائه في الائتلاف، مثل حزب «اسرائيل بيتنا» برئاسة وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، الذي لا يرى ضرورة للانتخابات، وحزب «الاستقلال» برئاسة وزير الدفاع، ايهود باراك، الذي يخشى أن يختفي من الحياة السياسية. وخطأ نتانياهو أنه ربط بين تبكير موعد الانتخابات والمصادقة على موازنة عام 2013 ، والتي تتضمن تقليصاً كبيراً في موازنات الوزارات المختلفة وتمس في شكل خطير بالمواطنين. تهديدات نتانياهو لا تستهدف موضوع الموازنة. فقد جرت العادة أن تدور نقاشات حادة قبل كل موعد تصويت على الموازنة، وأن تتأجج الخلافات والصراعات، داخل أحزاب الائتلاف وكذلك مع المعارضة، اذ إن هذه الفترة تكون موسماً لخروج الوزراء والنواب إلى الصحافة، كل يدافع كلٌ عن حصة وزارته ووزارات حزبه، أو يحتج على التقليصات التي تفرض على بعض الوزارات، بخاصة الرفاه الاجتماعي والصحة. ويلعب الجيش ووزيره دوراً أساسياً في المعركة كي لا تلبي الحكومة مطلب وزارة المالية تخفيض الموازنة العسكرية، والجيش يطلب في كل سنة زيادة الموازنة العسكرية تحت شعار «ضرورة تعزيز القدرات على مواجهة التحديات الأمنية المحدقة بإسرائيل». كانت الحكومة تنجح في التوصل إلى تفاهمات بين أحزابها وتعبر الموازنة بسلام. بل إن حكومة نتانياهو نجحت في إقرار موازنة سنتين معاً. وبكلمات أخرى، فإن الموازنة ما هي إلا حجة يتذرعون بها في المعركة. فرئيس الحكومة يطرح قضية الموازنة، لكي يبرر إسقاط حكومته والذهاب إلى الانتخابات المبكرة وعدم الانتظار حتى يحل موعدها المقرر في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، الأمر الذي يجعل السؤال اكثر إلحاحاً: لماذا يريد زعيم الليكود انتخابات مبكرة؟ نتانياهو لم يتخذ قراراً بعد في هذا الشأن. والمقربون منه يؤكدون أنه يتنازل عن الفكرة في كل وقت، مع أن الوقت يداهمه، إذ إن فكرة الانتخابات سيطرت على الأجواء الاسرائيلية ولم يعد سهلاً التراجع. من جهة، يخشى نتانياهو من إدارة معركة انتخابات لمدة سنة كاملة ستتمكن خلالها الأحزاب المنافسة له من كل صوب من أن تنتظم جيداً لمواجهته والترويج لانتقاد سياسته... والانتقادات كثيرة. فهناك مشكلة في سياسته الاقتصادية الاجتماعية، ظهرت بوضوح في هبّة الاحتجاج الكبرى في صيف 2011. وهناك انتقادات لسياسته في الموضوع الايراني، اذ يقف في معارضته غالبية وزرائه وجميع قادة الأجهزة الأمنية السابقين والحاليين، ودول العالم. وهناك انتقادات شديدة له بسبب تدهور العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما. تدهور شعبية نتانياهو استطلاعات الرأي الاسرائيلية تؤكد ان شعبية نتانياهو تدهورت. وتشير إلى وجود أزمة قيادة أيضاً. فعندما يُسأل المستطلعون عن آرائهم عن أية شخصية يرونها مناسبة لرئاسة الحكومة، يتغلب نتانياهو على جميع قادة الأحزاب، والسبب أنه لا يوجد منافس جدي له. والمنافس الجدي الوحيد له، هو ايهود أولمرت، الذي ينوي العودة إلى الحلبة السياسية بعدما برّأته المحكمة من تهم الفساد التي كانت أدت إلى سقوط حكومته وخروجه من الحلبة السياسية. وينتظر أولمرت بعض القضايا الإجرائية في محاكمة فساد أخيرة، حتى يعلن عودته. وهذا يخيف نتانياهو ويدفعه إلى تبكير موعد الانتخابات إلى آذار وحتى شباط (فبراير) المقبل، حتى لا يتمكن أولمرت من الاستعداد. سبب آخر لخوف نتانياهو، يتعلق بالرئيس أوباما. فليس سراً أن أوباما غاضب من نتانياهو، لأنه تدخل في شكل فظ في الانتخابات الأميركية، ووقف لمصلحة المرشح الجمهوري ميت رومني. ويخشى نتانياهو من أن يفوز أوباما في الانتخابات في الشهر المقبل، وينتقم منه. لهذا يميل إلى تبكير موعد الانتخابات، لكنه يدخل في صراع مع نفسه في الاتجاه الآخر. فهناك أحزاب حليفة له ليست معنية بالانتخابات. والأحزاب المعنية بالانتخابات، تبني مواقفها على رفض الإجراءات لتقليص الموازنة، وتظهر نفسها على أنها رفضت الموازنة لأنها ترفض إلقاء أعباء على المواطنين. وعملياً التصقت بنتانياهو تهمة توجيه الضربات الاقتصادية الى المواطنين. وهذه تهمة أُسقطت في الماضي ويمكنها أن تسقط في المستقبل حكومات اسرائيلية. تقليص الموازنة ووفق ما ظهر من مشروع الموازنة، فإن وزارة المالية تطلب تقليصها بمبلغ هائل يقدر ب 12 – 15 بليون شيكل. وأي باب يتم التقليص منه سيواجه بحملة كبيرة في صفوف المواطنين أو جهاز التعليم أو الجيش. وحتى لو لم يتم تمرير هذه الموازنة، فإن وصمتها التصقت برئيس الحكومة، ووزير ماليته، يوفال شتاينتس. وكلاهما من حزب الليكود. ورفاقهما في الحزب بدأوا يسمعون أصوات التذمر. وهذا بحد ذاته، أدخل اسرائيل في اجواء انتخابية. واستغلت احزاب المعارضة أيضاً، خصوصاً «كاديما» و «العمل»، هذا الوضع للانطلاق في المعركة. والتصريحات التي يطلقها زعيما الحزبين، شيلي يحيموفتش وشاؤول موفاز، تتركز حول القضايا الاجتماعية من جهة وحول الأزمة التي افتعلها نتانياهو مع الرئيس اوباما. ومن السيناريوات التي تطرح في هذا النقاش بدأت تُرسم صور اولية لشكل هذه المعركة. ابرزها ان يخوض ايهود اولمرت الانتخابات، وكذلك الزعيمة السابقة لحزبه، تسيبي ليفني، التي قررت هي أيضاً العودة الى الحلبة السياسية. ولا يستبعد سياسيون ان يشكل اولمرت وليفني وموفاز ومعهم الاعلامي يئير لبيد كتلة مركز كبيرة بصورة مشتركة. ومن غير المستبعد ايضاً ان يدخل لاعبون جدد الى الساحة يغيرون قواعد اللعبة في معركة الانتخابات. ولا يسقط بعضهم من توقعاته ان يفاجئ ايهود باراك الجميع بضربة غير متوقعة سياسياً، بخاصة بعد احتدام الخلاف بينه وبين نتانياهو ورفض الاخير ان يمنحه وعداً بإبقائه وزيراً للدفاع. واقعية وبراغماتية حتى اللحظة، وعلى رغم ان نتانياهو سيحسم قراره حول تبكير موعد الانتخابات قبل الخامس عشر من الشهر الجاري، موعد افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، إلا ان الشخصيات السياسية التي ترى نفسها بديلة بدأت تسيطر على الإعلام الاسرائيلي بتصريحاتها ومواقفها المعادية لرئيس الحكومة. ومع ان الأنظار تتجه نحو ايهود اولمرت بانتظار قراره في خوض المعركة الانتخابية، إلا ان زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفتش، تتفوق على غيرها. «واقعية وبراغماتية» و «النجمة الأعلى في السياسة الاسرائيلية القادرة على تجسيد احتمال التحول»، هكذا وصفها البعض. فقد استبقت يحيموفتش غيرها في دعوة نتانياهو الى الاعلان عن الانتخابات المبكرة وعدم مواصلة حال عدم اليقين في شأن الانتخابات، والاتفاق مع باقي الأحزاب على موعد محدد لإجراء الانتخابات «لأن ذلك سيضع حداً لغياب الحكم الفعلي الذي يميز الحكومة اليوم بسبب عدم وجود موازنة»، كما تقول يحيموفتش. وظهور هذه النائبة العمالية استدعى البعض للفت نظر من يجد نفسه قائداً سياسياً ومرشحاً قوياً امام نتانياهو، الى اهمية عدم تجاهلها بل التعامل معها كمرشحة قوية قادرة على قيادة السياسة الاسرائيلية. الخبير في الشؤون السياسية، ارييه شبيط، فاجأ بعض هؤلاء عندما وصفهم ب «السياسيين الضالين» ودعاهم الى فحص امكانية التحالف مع يحيموفتش. اذ يرى ان وضعيتها تستدعي زعيمة حزب «كاديما» السابقة، تسيبي ليفني وزعيم الحزب الحالي، شاؤول موفاز، وحاييم رامون وغيرهم الى التحالف معها. ووفق شبيط، فإن «وضع يحيموفيتش الجديد يستدعي ليفني ورامون وكديما ان يتفحصوا نهجهم. فعشية الانتخابات السابقة طلبت كديما برئاسة ليفني وقيادة رامون من اليسار ان ينتحر كي تتغلب تسيبي على بيبي (بنيامين نتانياهو). ولم تتغلب تسيبي على بيبي في الحقيقة، لكن اليسار انتحر اذ ضعف حزب العمل جداً وكاد ميرتس ان يُمحى. وانقلبت الامور الآن رأسا على عقب»، كما يرى شبيط ويقول: «اذا كان ليفني ورامون وكديما ملتزمين حقاً بتبديل نتانياهو، فعليهم ان يفعلوا الآن ما طلبوا من الآخرين فعله قبل ثلاث سنوات ونصف سنة (خلال معركة الانتخابات البرلمانية السابقة)، فعليهم ان ينضموا الى يحيموفيتش أو ألا يقفوا في طريقها على الأقل». وأصحاب هذه الدعوة يرون انه «اذا اجتمع النواب الضالون من المركز في منظومة سياسية جديدة برئاسة العمل فستصبح لإسرائيل كتلة سياسية مستنيرة كبيرة تستطيع العودة الى قيادة الحكومة». والدعوة لم تقتصر على «الضالين» انما تشمل ايضاً رجال الاعمال، اذ يرى شبيط ان «أكثر أصحاب الاموال في اسرائيل يكرهون يحيموفيتش، فهم يرونها غوغائية خطيرة لا تفهم شيئاً في الاقتصاد. وهم يرونها اشتراكية حمراء ستدمّر الاقتصاد وتحول اسرائيل لتصبح مثل اليونان. لكن الصحيح انه يتوجب على أصحاب العمل الاسرائيليين ان يفهموا ان يحيموفيتش تعبر اليوم عن توق الجمهور الاسرائيلي العريض الى الاصلاح الداخلي. وتمثل يحيموفيتش الطموح في اعادة اسرائيل الى القيم والى العدل والتقدم. وعلى ذلك يجب محاورتها بدل مشاجرتها. وسيُفاجأ كثيرون كم أن الزعيمة المقاتلة واقعية وبراغماتية».