ليس أمراً طبيعياً ان يبادر رئيس حكومة لإسقاط حكومته بنفسه، خصوصاً إذا كانت حكومته قوية وثابتة ولا يهددها خطر انقسام أو سقوط. لكن امراً كهذا يمكن ان يحدث في اسرائيل، حيث لا حدود للخطط التي ينشغل بها القياديون من اجل تحقيق اهدافهم، حتى لو دخلوا في مغامرة غير مضمونة النتائج. وهذا ما حدث لرئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي أعلن حالياً حداده على موت والده. وحالما تنتهي أيام الحداد، سيتوجه إلى الكنيست للتصويت على اقتراح مشروع قانون مقدم من حزبه (الليكود) الحاكم لإجراء انتخابات مبكرة وبالتالي تسقط حكومة اليمين الاسرائيلية، التي اعتبرت عند تشكيلها واحدة من اقوى حكومات اليمين. والواقع الذي آلت إليه الوضعية في اسرائيل لم يحصل بسبب الخلافات الظاهرة ولا تهديدات افيغدور ليبرمان، الذي حاول أن يسبق نتانياهو فلم يفلح، ولا ضغوط ايلي يشاي، الذي كان يتهرب من الانتخابات، ولا الخوف من زعيم المعارضة الجديد، شاؤول موفاز، أو زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش. فعلى رغم ان الظاهر في دوامة الانتخابات التي دخلت فيها اسرائيل، ان الخلافات حول قانون «طال» الخاص بتجنيد اليهود المتدينين، هو السبب المركزي في الصراعات التي وصلت الى حد اتخاذ قرار بإجراء انتخابات مبكرة، إلا ان نتانياهو بدأ يخطط لإجراء انتخابات جديدة قبل اشهر طويلة، منذ تنفيذ صفقة «شاليط». الانتقادات التي تعرض لها نتانياهو لتنفيذه هذه الصفقة لما شملته من عدد كبير من الاسرى الفلسطينيين الامنيين دفعه الى التفكير بحل الحكومة وإجراء انتخابات جديدة يتوقع ان يضمن فيها فوزه مرة اخرى، على حد ما ذكر مقربون منه. ثم عادت الساحة الحزبية الاسرائيلية الى خلافات حول الموازنة «وقانون طال» ليجدها نتانياهو مناسبة جديدة للإقدام على هذه الخطوة، وإجراء انتخابات في غضون اربعة اشهر لا تستطيع خلالها الاحزاب الاسرائيلية الاستعداد لها. هذا على الاقل ما يظهر من النقاش الذي تشهده الحلبة السياسية والحزبية الاسرائيلية، ولكن الحقيقة التي لا يستبعدها خبراء ومحللون ان تكون لنتايناهو دوافع اخرى يرفض الحديث عنها بصراحة وأبرزها سببان: الاول متعلق بالانتخابات الاميركية. فرئيس الحكومة مصر على الوصول الى صناديق الاقتراع الاسرائيلية قبل ان يصل رئيس الولاياتالمتحدة الاميركية في تشرين الثاني 2012. نتانياهو خائف من ان يفوز الرئيس الاميركي، باراك اوباما، بولاية جديدة في الحكم، ما يعني ان تفتح على نتانياهو جبهة من واشنطن تضعف شعبيته بين الاسرائيليين، المتصاعدة في شكل مستمر منذ الاعلان عن الانتخابات المبكرة. فاستمرار سياسة نتانياهو الحالية تجاه ملفي ايران والسلطة الفلسطينية وعرقلته استئناف المفاوضات، كلها أسباب قد تدفع بباراك اوباما الى اعلان حرب على حكومته يصل صداها الى تل ابيب وقد تتجند الاكثرية ضد رئيس الحكومة الى حد يسهل إسقاطه. اما اذا اجريت الانتخابات وعزز نتانياهو قوته من جديد وحافظ على كرسي الرئاسة فعندها مهما كانت الجبهة الاميركية ضده قوية، فإنها لن تؤدي إلى سقوطه. اما السبب الثاني الذي لا يقل اهمية، بسحب المحللين والخبراء وبعض السياسيين، لتقريب موعد الانتخابات، هو رغبة نتانياهو في استخدام نتائج الانتخابات كاستفتاء شعبي داعم لموقفه الداعي الى توجيه ضربة عسكرية لإيران. فوفق تقديرات نتانياهو تستطيع اسرائيل أن تضرب ايران قبل تشرين الثاني (نوفمبر) من السنة الجارية ولذلك يريد ان يجري الانتخابات في موعد تترك فرصة كافية بينه وبين الانتخابات الاميركية. وصف الخبير آرييه شبيط ما يقوم به نتانياهو بلعبة شطرنج يضع رقعتها كما يشاء. وأضاف: «يجب ألا تكون المعركة الانتخابية القريبة اقتصادية اجتماعية فقط، بل يجب ان تتناول ايران وتصبح استفتاء للشعب في شأن ايران. وهكذا فقط لن يكون القرار في شأن ايران، مهما يكن، قرار فرد بل قرار أمة». لكن، وعلى رغم تفاؤل نتانياهو في نتائج الانتخابات، لكن شيئاً لا يضمن تحقيق خطة نتانياهو في ظل الاوضاع التي تشهدها اسرائيل والساحة الحزبية فيها. صحيح ان شعبية نتانياهو في تزايد مستمر لكن التراجع الذي يظهر لدى احزاب اليمين الاسرائيلي، مجتمعة، يشكل مصدر قلق له، وفي المقابل هناك من لا يستبعد ان تؤثر احزاب المركز-اليسار في حال توحدت في المستقبل، في نتائج الانتخابات، على ما يرى الوزير السابق عوزي برعام، ويضيف: «صحيح ان هناك انتقادات لليسار في الشأن السياسي، لكن اذا كان حزب العمل في السنوات الاخيرة متعباً، ونشطاؤه غير مؤمنين به، فإن الطبقة الشابة التي جاءت مع يحيموفيتش تشتهي النجاح. ويئير لبيد لغز في نظر كثيرين، فهو لم ينشئ حزباً بعد لكنه قال جازماً انه يوجد مستقبل». والاستطلاعات تعطيه نجاحاً كبيراً في الانتخابات»، ويضيف: «لبيد قادر على الاتصال بناخبين شباب من جميع الأطياف. ويستطيع ان يكسر التعادل بين الكتل السياسية ولا سيما اذا جمع حوله فريقاً جيداً. وشاؤول موفاز ايضاً لغز في نظري. فهو نشيط وحدد هدفاً وهو لا يكل في إيمانه بنفسه وبحركته. لكن وضعه صعب لأن جزءاً من ناخبي ليفني اتجهوا الى العمل والى ميرتس، وسيضطر موفاز الى البحث عن اصوات من اليمين وهي مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة». ووفق وجهة النظر هذه، فإن ميرتس ستصبح مغرية لأولئك الذين يؤمنون بحل سياسي يقوم على عودة ما الى حدود 1967 مع تعديلات حدود متفق عليها. ولكن ميرتس هو حزب صغير غير مؤثر.