تظاهر آلاف الأردنيين وسط عمان أمس بدعوة من جماعة «الإخوان المسلمين» وحراكات شعبية وعشائرية، للمطالبة بتعديلات جذرية على الدستور من شأنها المس بصلاحيات القصر الملكي التي ظلت مصانة لعقود. ونفذ «الإخوان» وأنصارهم أكبر تظاهرات احتجاجية منذ انطلاق الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد في كانون الثاني (يناير) عام 2011، في خطوة رأى فيها سياسيون ومراقبون «استعراضاً للقوة». وجاءت هذه التظاهرات بعد يوم على إصدار مرسوم ملكي بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، كان الإسلاميون أعلنوا مقاطعتها احتجاجاً على القانون الذي ستجرى على أساسه. وسيطر المتظاهرون على جميع الشوارع المؤدية إلى ساحات المسجد الحسيني وسط المدينة التي شهدت مواكب طويلة ومنظمة لكوادر الجماعة وأنصارها. وتضاربت الأرقام في شأن أعداد المتظاهرين، إذ أعلن المنظمون مشاركة حوالى 50 ألف متظاهر، بينما راوحت تقديرات الصحافيين ومصوري وكالات الأنباء بين 15 و30 ألف متظاهر. لكن الناطق باسم الحكومة الوزير سميح المعايطة قال ل «الحياة» إن «المكان محصور، ونعرف ماهية الأرقام الحقيقية»، رافضاً الخوض في ما أسماه «معركة الأرقام» التي رأى أنها «لا تقلق الدولة». ووجه المتظاهرون رسائل مباشرة وشديدة اللهجة إلى مؤسسات سيادية في البلاد، كما رفعوا لافتات كبيرة كتب عليها «صار لنا عشرين شهراً بنطلع مسيرات ولسه ما فهمونا». وقال عبدالله عبيدات القيادي «الإخواني»، نقيب المهندسين الأردنيين، الذين يصل تعدادهم في الأردن إلى نحو 100 ألف، في كلمة بدت مثيرة خلال التظاهرة: «وكأننا نقف اليوم في ميدان التحرير الذي غيّر شكل العالم العربي». وجدد مراقب «الإخوان» الشيخ همام سعيد إصرار جماعته على مقاطعة الانتخابات المقبلة، رابطاً مشاركتها بتعديل الدستور. من جهة أخرى، قال الناطق باسم مديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب ل «الحياة» إن «وزارة الداخلية نشرت في محيط التظاهرات نحو 2500 عنصر من الشرطة والدرك لحماية المتظاهرين»، فيما كشفت مصادر رسمية رفيعة المستوى ل «الحياة»، ما قالت إنها «تعليمات صارمة أصدرها الملك عبدالله الثاني مساء أول من أمس لمنع قمع المتظاهرين وتوفير الحماية لهم». وأكد الخطيب اعتقال 8 أشخاص «بعد العثور على أسلحة فردية وعصي في 3 باصات صغيرة كانت متجهة إلى وسط البلد». ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (بترا) أن قوات الأمن «حالت دون محاولة عشرات الشبان الاعتداء على تظاهرات المعارضة». وكان منظمو مسيرة أخرى موالية للنظام أعلنوا أول من أمس، تأجيل فعاليتهم التي كانت مقررة الجمعة «درءاً للفتنة». وتولت قوات البادية الأردنية، مدعومة بأسلحة رشاشة، حماية الميادين الرئيسة الكبرى في عمان والطرق الخارجية، كإجراءات احترازية. في الإطار ذاته، قال سياسيون ومراقبون ل«الحياة» إن «الإخوان يسعون إلى ضرب شرعية الانتخابات والبرلمان المقبل عبر التصعيد الميداني في الشارع». وقال الباحث والمحلل السياسي فهد الخيطان «سيكون الحراك القادم للإخوان داخل المحافظات (ذات الثقل العشائري)، وذلك بعد أن تأكد لهم توجه النظام إلى إنجاز ربيع أردني بلا إسلاميين». إلى ذلك، علمت «الحياة» أن قراراً ملكياً صدر بتشكيل أول محكمة دستورية في البلاد في غضون الأسبوع المقبل، تكون مهمتها النظر في القوانين التي تصدرها الحكومة. وترددت أسماء كثيرة لتولي منصب رئيس المحكمة طيلة اليومين الماضيين، من بينها رئيس الوزراء السابق زيد الرفاعي، ووزير العدل السابق طاهر حكمت، والقاضي المعروف محمد الرقاد. لكن مصادر رسمية أكدت ل «الحياة» أن صاحب القرار «لم يختر بعد الشخصية المناسبة». وتترقب الأوساط السياسية قرار حل حكومة فايز الطراونة مطلع الأسبوع المقبل، وسرت معلومات عن صدور الإرادة الملكية بحل الحكومة الأحد أو الاثنين. وتتكتم دوائر القرار على هوية رئيس الوزراء الجديد، وسط بروز اسم رئيس الوزراء السابق فيصل الفايز لتولي المنصب. لكن المصادر المقربة جداً من القصر الملكي أكدت أن الملك عبدالله ما زال يتكتم عن التفاصيل المتعلقة بالرئيس الجديد. ولم تستبعد في الوقت ذاته أن يأتي هذا الرئيس من خارج «النظام» الرسمي.