كثيرة هي القضايا التي يمكن أن تبكي المواطن العربي. فإذا تركنا قضايا فلسطين والعراق ولبنان والسودان، فإن هناك قضايا صغيرة يمكنها أن تثيره أيضاً وتبكيه. القمع مثلاً كفيل بأن يجعل المواطن، صغيراً كان أو كبيراً، يذرف الدموع. كما يمكن للقصص العاطفية والميلودرامية أن تبكي هذا المواطن سواء كان المسلسل سورياً أو مصرياً أو حتى تركياً مدبلجاً بلهجة شامية لا تشبه مثيلتها في «باب الحارة». ومع ذلك يمكنها أن تستدر الدموع بما يكفي لأن يغسل فيها قلوباً كثيرة معطوبة من حوله. ما الذي يدفع إلى الكتابة عن دمع العين؟ في الواقع ثمة اعلان عن مشروب غازي جديد في بعض المحطات العربية، وهو يدعو شاباً يبكي لحظة تسلمه نبأ ولادة زوجته صبياً، لأن يتوقف عن البكاء. فما يبكيه بحسب الإعلان هو مباريات كرة القدم. ولذلك يدعوه الاعلان لتناول المشروب الجديد، ولأن يكون رجلا على طريقته. الصوت الذي يأتي من خلف الكادر مازحاً ومتهكماً يفترض أن بكاء شاب ينتظر ولادة صبي ذكر، بما تعنيه هذه الولادة يقلل من رجولته. بالتالي هو يفترض من باب تهكم أعلى أن كرة القدم هي من تبكي الرجال فقط. بالطبع ربما لن يفوت هذا الشاب أن يبكي متأثراً ويشهق جراء خسارة منتخبات كروية قد لا يربطه بها رابط من أي نوع. فقد يكون المنتخب برازيلياً أو اسبانياً، وهذا ليس مهماً، لأن كرة القدم هي وطن أيضاً، وهي تختصر آلام المواطن العربي في عيشه واحباطاته. لا هموم أخرى تبكيه في هذا العالم الشاسع، فكل ما يدور أمامه يدعوه إلى الحبور والسرور. أما مشاكله في التعليم والصحة ومياه الشرب والأراضي المحتلة هنا وهناك وحرية التنقل والسفر وقضايا المواطنة والمجتمع المدني واشكالية الهوية، فهي قضايا لا تجد بحسب الاعلان من يتبناها أو يشير إليها. بالتالي لن نجد رجلاً عربياً يبكي إلا على خسارة منتخب قد لا تكون ثمة هوية له، فكرة القدم هي هويته وجنسيته، وولادة صبي ذكر له يرثه في عالم ذكوري لا تستوجب منه ذرف دمعة واحدة. شراب الرجولة في عالم استهلاكي لا هوية له. عالم مبدد ومقفر لا يجوز البكاء فيه، ذلك أن الاحتباس الحراري لوحده يمكنه مثلاً أن يجفف في طريقه دموع الثكالى والأيتام والأرامل وضحايا الحروب والمجاعات، وما على فتى الشاشة التلفزيونية إلا أن يشّف من الشراب البطولي... و «يسترجل»!