التقى مدير مكتب المبعوث الاممي والعربي الاخضر الابراهيمي في دمشق، احد قادة المقاتلين المعارضين في حمص (وسط)، خلال زيارة قام بها الى المحافظة، على ما افاد ناطق باسم الاممالمتحدة فرانس برس. يأتي ذلك فيما يتصاعد القصف المدفعي والتوترات الطائفية في حمص وريفها. وقال الناطق باسم الاممالمتحدة في دمشق خالد المصري إن مدير مكتب الابراهيمي مختار لماني «زار حي بابا عمرو ومنطقة تلبيسة حيث التقى في تلبيسة ممثلين عن المعارضة المسلحة برئاسة العقيد قاسم سعد الدين»، الناطق باسم القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل. وأوضح المصري ان اللقاء أتى ضمن زيارة قام بها لماني الى حمص «والتقى فيها المحافظ (غسان عبد العال) وممثلين عن الصليب الاحمر الدولي والهلال الاحمر» السوري، من دون ان يقدم تفاصيل اضافية. وكان الابراهيمي قدم احاطة عن الاتصالات التي قام بها بشأن الوضع في سورية أمام اعضاء في مجلس الامن، ورسم صورة قاتمة للوضع الراهن قائلاً «ارفض التصديق ان أناساً عقلاء لا يدركون انه لا يمكن العودة الى الوراء، لا يمكن العودة الى سورية الماضي»، في اشارة الى النظام السوري الذي يواصل قمع الحركة الاحتجاجية المناهضة له منذ آذار (مارس) 2011. وتولى الابراهيمي مهماته مطلع ايلول (سبتمبر) خلفاً لكوفي انان، وزار دمشق في وقت سابق من هذا الشهر لمدة اربعة ايام، التقى خلالها الرئيس السوري بشار الأسد وأجرى حواراً عبر سكايب مع قادة في الجيش السوري الحر الذي شكك بنجاح مهمته، مؤكداً اعتماد الحل العسكري لمواجهة النظام. وشكلت حمص لا سيما حي باب عمرو معقلاً اساسياً لمقاتلي المعارضة الذين خاضوا معارك ضارية في وجه حملة شرسة شنّتها القوات النظامية على الحي وأدت الى تدمير أجزاء كبيرة منه. ولا تزال مناطق عدة من المحافظة تتعرض للقصف وتشهد اشتباكات بين المقاتلين المعارضين والقوات النظامية. كما تصاعدت وتيرة التوتر الطائفي في المدينة. واعتاد أفراد الشبيحة في حمص، أكثر المدن السورية تضرراً من القتال توفير الحماية لأقرانهم من الاقلية العلوية من منطلق التضامن معهم لكن الامن لم يعد الآن بالمجان بل اصبح في مقابل نحو 300 دولار شهرياً. ويقول السكان العلويون في حمص انهم مكرهون على دفع مقابل مادي ل «الشبيحة». وقال جراح يدعى فريد يعيش مع عائلته في حي الزهراء في حمص الذي تقطنه غالبية علوية: «الشبيحة يستغلون خوفنا. يتذرعون بأنهم في حاجة إلى الطعام أو الذخيرة. ولكن الامر ينطوي في الاساس على اتفاق غير علني بأن تدفع العائلات الاكثر ثراء مبالغ (للشبيحة) كل شهر». وتتزايد تكلفة الحرب في تلك المنطقة التي تشهد أطول المعارك الدائرة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة. ويخشى فريد ان يتعرض اطفاله للخطف مقابل فدية اذا لم يدفع للشبيحة ما يسمونها «إتاوة». وقال مهندس يدعى سعيد (40 عاماً): «لست مرتاحاً لذلك، فهو امر خاطئ على ما يبدو ولكن ليس لدي اي خيار... سأواجه الخطر اذا لم أدفع. هؤلاء الاشخاص خطيرون». وبعد اشهر من القتال باتت المناطق العلوية التي تحميها الشبيحة في حمص مثل الزهراء هي الوحيدة الآمنة نسبياً. وتزايد سكان الزهراء من العلويين ليصبح 200 ألف تقريباً في الشهور الاخيرة. وأصبحت الأحياء التي يقطنها عدد كبير من السنّة في حمص عبارة عن مقابر لأبينة منهارة وشوارع مدمرة. ولم يعد فيها سوى عدد قليل من العائلات. ومع توقف العمل ونفاد الاموال بسبب الاضطرابات، فإن مبلغ الإتاوة وهو 300 دولار لم يعد صغيراً. لكن العلويين في الزهراء يقولون انه في حين انهم يعرفون ان الاموال التي يدفعونها هي ابتزاز وان العنف الذي يمارسه الشبيحة تجاه السنّة يجعلهم في خطر اكبر إلا انه يتم تذكيرهم باستمرار بالخطر الذي يعتريهم. وعندما تهز اصوات المدفعية التي تدوّي من على بعد الاواني الفضية في غرفة طعام فريد فإنه يكف عن اعتراضاته على الشبيحة ويتنهد. ويقول الطبيب وهو ينظر إلى اطفاله الاربعة اثناء تناولهم الطعام: «اعتقد احيانا اننا نحتاج اليهم حقاً لحمايتنا». واختفت أنباء القتال في حمص من دائرة الضوء مع تفجر المعارك في مدن سورية اكبر مثل دمشق وحلب لكن القتال لم تخف حدته في المدينة فأصوات القذائف تدوي بين الحين والآخر وتتهاوى الابنية نتيجة القصف المدفعي اليومي والقذائف الصاروخية. واعتادت عصابات الشبيحة على اجتراف المال من خلال نهب الأحياء السنية المتمردة في حمص بعد مداهمة الجيش لها. ولكن هذا المصدر قد جف، ولهذا فإن طلب «الإتاوة» قد يكون السبيل لتعويضهم عن تلك الاموال. وأصبحت الميليشيات على درجة عالية من التنظيم في حمص فقد قسموا الزهراء إلى ست مناطق يتزعم كل واحدة «رئيس» محلي. وفي كل منطقة يرسل الرئيس عدداً من الشبان للمراقبة وهم يحملون الاسلحة. ويظل الجيش بعيداً مكتفياً بحراسة حواجز الطرق المنتشرة في اطراف المنطقة. ويقول سيد الذي يعطي الشبيحة الاتاوة على مضض: «لم يعد هناك اي وجود للحكومة في الزهراء على رغم انها محاطة بمناطق سنية. ولكنها المكان الاكثر أمناً في سورية». ويقول السكان ان الشيء الوحيد الجيد الذي ساهمت فيه تبرعاتهم هو تمويل بناء جدارين مقاومين للتفجيرات يصل ارتفاعهما إلى 20 متراً في الميدان الرئيسي بالزهراء. وكان الشارع ذات يوم في مرمى نيران مسلحي المعارضة الذين كانوا يصعدون فوق الابينة في الأحياء المجاورة ويطلقون النار. ويقول مانهل ابن الجراح فريد اثناء سيره خلف الجدران التي طليت باللون الابيض «هذه كانت المنطقة الاكثر دموية في الزهراء». وبدلاً من رؤية السكان يهرولون في الاسفل لم يعد المسلحون يرون الآن سوى ملصق ضخم وضعه الشبيحة على الجدار هو عبارة عن صورة للرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار والذي حكم البلاد لما يقرب من 30 عاماً حتى وفاته. ولجأ المتمردون المحبطون إلى اطلاق النار على الصورة التي باتت آثار الاعيرة النارية واضحة عليها تماماً. وعلى مسافة ليست بعيدة من منزل عائلة فريد يضع وائل (مسؤول التحصيل) كمية كبيرة من الكريم على شعره الاسود ويمشطه ثم يستقل دراجته النارية لجمع الاتاوة الشهرية لرئيسه. ويقول وائل (25 عاماً): «توجد في منطقتي 15 عائلة. أجمع الاموال لرئيسي عندما تكون هناك حاجة للأسلحة والغاز وإصلاح السيارات والطعام لأبنائنا». ولا يعتقد وائل ان ما يفعله ابتزاز فهو يعتبرها خدمة يحتاج السكان إلى دفعها للحفاظ على حياتهم. ويقول ان في امكان السكان غير الراضين عن ذلك مغادرة حمص اذا ارادوا. وقال: «اننا حتى نجهز قوافل لمساعدتهم على الخروج وهذا يكلف عشرة آلاف ليرة (120 دولاراً)». ولا توجد نهاية في الافق للحرب الاهلية في سورية. فالقوى العالمية تواجه صعوبات في التفاوض. ولا يبدي المقاتلون اي رغبة في إلقاء اسلحتهم. وفي الوقت نفسه، فإن جماعات مثل العلويين يشعرون بأنهم اكثر عرضة للخطر وأن الشبيحة تستغلهم. ولاحظت ام هاني وهي ام لاثنين في الزهراء هذا التحول بعد التفجير الذي وقع في تموز (يوليو) وأسفر عن مقتل اربعة من كبار مسؤولي الامن في دمشق. وقالت: «بعد ذلك اهتز النظام. وبدأ الشبيحة يأخذون المزيد من السلطة وبدأوا في المطالبة بمزيد من الاموال. ومن دون ان يتفوهوا بكلمة وجهوا رسالة واضحة مفادها (نحن المسؤولون عنكم... ادفعوا)». بدا الارهاق الشديد حول عيني ام هاني بعد اشهر من الاضطرابات والقلق. ويشعر العلويون مثلها بأنهم محاصرون. وليس لدى ام هاني اي مدخرات لمغادرة سورية وتعتقد انها لن تكون في مأمن في مخيمات اللاجئين التي اغلبها من السنّة والمنتشرة على الحدود. وترى ان الدفع للشبيحة هو الخيار الوحيد. وقالت: «اين نستطيع الذهاب؟ من يقبلنا؟... لهذا نبقى هنا ونتعامل مع فراعنتنا الجدد».