قبل الفيلم المسيء الى نبي الله وبعده، وفي المستقبل، اسرائيل تمارس أسلوب نقل التهمة الى الآخر. أوضح مَثل هو أن اسرائيل دولة إرهابية فتتهم حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وكل جماعات المقاومة والتحرير بالإرهاب. وهكذا، فعصابة جريمة تحتل فلسطين وتقتل وتدمر تزعم أن مقاومة الاحتلال إرهاب. في التفاصيل المتوافرة كل يوم، أو المادة التي أجمعها بحكم العمل، أن متطرفين اسرائيليين هاجموا ديراً للرهبان في اللطرون قرب القدس وكتبوا شعارات ضد المسيحية وأتلفوا ما وصلوا اليه من محتويات، وأن ثلاثة شبان اسرائيليين اعتُقلوا لرمي تاكسي فلسطيني بقنبلة حارقة، وأن مراهقاً فلسطينياً أدخِل المستشفى وقد فقد الوعي بعد أن اعتدى عليه ثلاثة أولاد اسرائيليين، وأن المدارس الاسرائيلية تريد معالجة جو الكره الذي ينشأ عليه الصغار في اسرائيل. بل إن الجيش الاسرائيلي اعترف بالاعتداء على الفلسطينيين عندما يمرون على حواجز الجيش. كيف ترد اسرائيل لإخفاء جرائمها اليومية التي تعكس عنصرية النظام؟ أقرأ أن رمضان شهر الإسلام المقدس هو شهر اضطهاد المسيحيين، وأن الأقباط في مصر يتعرضون لعقاب جماعي، وأن غوغاء من المسلمين هاجموا قرية اسرائيلية. طبعاً رمضان وكل شهر هجري ليس شهر اضطهاد المسيحيين، والقرية المزعومة مستوطنة، ككل اسرائيل، وأصحاب الأرض يريدون إخراج المحتلين منها. (عندي الوثائق الأصلية على كل المعلومات في هذه الزاوية). أهم من كل ما سبق، أن الدين اليهودي مُخترَع، وأن أنبياءه خرافات توراتية لم توجد على أرض الواقع، وأن الدين الإسلامي صحيح، نزل في ضوء التاريخ، وهكذا نرى كتاباً يقول «هل محمد وُجِد؟»، أي هل هو شخصية حقيقية، من تأليف ليكودي اميركي محترف إسمه روبرت سبنسر، ثم نشاهد برنامجاً على المحطة الرابعة للتلفزيون البريطاني على أساس كتاب «الإسلام: القصة غير المروية» للمؤرخ توم هولاند، وهو أيضاً يعيد النظر في الافتراض أن الإسلام ولد في ضوء التاريخ ويشكك في التاريخ المتفق عليه عن الإسلام ونبيّه والوحي. مرة أخرى، الإسلام ونبيّه والوحي والفتوح وحروب الردّة تاريخ سُجِّل في حينه، والمسيحية جُمعت كدين خلال عقود قليلة بعد المسيح. الدين الوحيد المُخترَع هو دين اليهود، فهو جُمع وكتبت أسفاره بعد 500 سنة الى ألف سنة من الحدث، ومع أن كثيرين من أنبياء اليهود وردت أسماؤهم في القرآن، إلا أنني أعتبر ذلك «إسم على إسم»، أي توافق أسماء، لأن ما درستُ في جامعتين اميركيتين هو أن لا آثار إطلاقاً في الشرق الأوسط تؤيد خرافات التوراة، لا آثار إطلاقاً في فلسطين لممالك يهودية أو هيكل أو معبد. كان هناك يهود في المنطقة كلها، عشائر وقبائل وأسر، ولكن لا ممالك أو ملوك. أرجو أن يفهم القارئ المسلم أنني أكتب كطالب تاريخ، ولا أكتب ديناً، وأستطيع أن أقدم معلومات تاريخية تفاجئ القارئ المصري، بعد الفلسطيني، إلا أنني أفضِّل أن أتجاوز الحساسيات الدينية وأكتفي بالتاريخ، فأكرر أن الدين اليهودي مُخترَع، لذلك نرى نقل التهمة الى الآخر، ليكون الجدل على أسس الدين الإسلامي بدل اليهودي. في الفيلم البذيء الأخير، أو المقطع الذي بُثَّ عنه، هناك حملات شخصية على نبي الله، وهذه أيضاً من نوع نقل التهمة الى الآخر، فالتوراة تضم قصصاً جنسية فاضحة، إن لم تكن كاذبة، وإبنتا لوط لا أستطيع أن أحكي للقراء قصة التوراة عنهما ووالدهما الثمانيني، ويشوع أرسل جاسوسين الى بيت الزانية راحاب في أريحا التي سقطت أسوارها بإطلاق الأبواق والهتاف (نص توراتي حرفي)، وداود أرسل الجندي ارويا الحيّ الى الجبهة وتعمَّد موته ليختلي بزوجته بتشابع (إسحق رابين في وزارته الأولى في أوائل الثمانينات أشار الى هذه القصة الأخيرة من على منصة الكنيست). وما سبق نقطة في بحر التوراة، وقد خفّفتُ واختصرتُ، لأستطيع النشر في جريدة عائلية، وهناك أسوأ منه في التلمود. هم ينقلون التهمة الينا ونحن نفقد أعصابنا ونرد بما يضرّنا ويفيدهم. [email protected]