يرى كثر أن ثورة «25 يناير» دخلت التلفزيون المصري خلال الأيام الماضية بعد قرار السماح للمذيعات المحجبات بالظهور على الشاشة وتقديم نشرات الأخبار. وكانت المذيعة فاطمة نبيل صاحبة السبق. وتذكَّرَ كثر الحكم القضائي الذي صدر قبل نحو سبعة أعوام وألغى قرارَ وزير الإعلام آنذاك بمنع المذيعات المحجبات من الظهور على شاشة القناة الخامسة، بناء على دعوى رفعتها المذيعات هالة السيد المالكي ورانيا إبراهيم رضوان وغادة الطويل. وقضت المحكمة حينها بأحقية ظهور المذيعات بحجابهن. وجاء في حيثيات المحكمة: «من الثابت في الأوراق أن المذيعات سبق لهن تقديم برامج على الهواء والربط بين الفقرات، ومنعُهن جاء بسبب ارتدائهن الحجاب، رغم أنه لا يخالف النظام العام ولا يخرج على التقاليد والقيم التي خصها الدستور بالرعاية وأوجب مراعاتها. والإدارة بهذا النهج تكون قد أخطأت التقدير واستبعدتهن على نحو يخل بمبدأ المساواة مع زميلاتهن». وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود، أكد أن قرار السماح للمذيعات المحجبات بالظهور للمرة الأولى في نشرات أخبار التلفزيون الرسمي المصري، يأتي تفعيلاً لمبادئ ثورة 25 يناير، وقال إنه منذ أكثر من خمسين عاماً كانت المذيعة المحجبة محرومة من قراءة النشرة الإخبارية على التلفزيون المصري، لكنه تنفيذاً لمبادئ الثورة قُرِّر أن تظهر المذيعة المحجبة الأولى، وهي فاطمة نبيل». وأوضح عبدالمقصود أنه ينادي بالحرية للجميع «المحجبة وغير المحجبة»، مشيراً إلى أن الزميلات غير المحجبات «أخذن فرصتهن خلال العقود الماضية وحتى اليوم، وهناك عدد كبير من المحجبات مُنعن من الظهور على الشاشة»، واستكمل أن المعيار لديه هو «الكفاءة والمهنية والموضوعية والتزام المذيعة واجباتها ومسؤولياتها». ووصف إبراهيم الصياد، رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري، قرارَ السماح بظهور مذيعات محجبات على الشاشة كقارئات نشرة، بأنه سابقة في التلفزيون الرسمي، الذي لم يَعرف سابقاً قارئات نشرة محجبات رغم عدم وجود قرار أو لائحة تمنع ذلك. وأوضح الصياد أن المذيعات المحجبات اللاتي تقرَّرَ ظهورُهن كقارئات نشرة هن من العاملات بالتلفزيون ولسن مستقدَمات من الخارج أو اختُرن خصيصاً لهذا الغرض، مشيراً إلى أن فاطمة نبيل، أول مذيعة محجبة ظهرت في نشرة أخبار، تعمل محررة في قطاع الأخبار منذ فترة، وكانت الأولى على دفعتها في اختبارات القبول التي يجريها التلفزيون الرسمي دورياً لاختيار وجوه جديدة للظهور على الشاشة، لكنها لم تظهر إلا الأيام الماضية. وعبّرت فاطمة نبيل عن سعادتها لظهورها للمرة الأولى على شاشة تلفزيون بلدها، وقالت إن حلماً من أحلامها كان أن تتساوى في الحقوق والواجبات مع زملائها، والمعيار في النهاية للكفاءة المهنية، كما أن بدايتها في التلفزيون كانت عام 1999، حيث عملت مترجمةً في الإذاعة، إلى أن أُجريت مسابقة في مركز الأخبار فانتقلت إلى هناك عام 2003. وأضافت: «بعد الثورة، التي قامت بالتأكيد على تصحيح كل ما هو خاطئ، أعلن التلفزيون مسابقة لاختيار مذيعي النشرة، وتقدمتُ إليها، وكانت تضم الفنان محمود ياسين والإعلامية نوال سري والإعلامى عبدالوهاب قتاية. وبالفعل، اجتزتُ الامتحان بتفوق، وعندما سألت عن أسباب عدم ظهوري على الشاشة، قالوا لي إنه ممنوع ظهور المحجبات في النشرة». وأكدت نبيل أنها حاولت كثيراً أن تلتقي وزير الإعلام السابق أسامة هيكل بسبب ما تعرضت له من ظلم، «كما تقدمتُ بكثير من الالتماسات، ولكن لم يحدث شيء، ووقتها كانت قناة «مصر 25» تستقبل مذيعات بالحجاب، وبالفعل كنت من أول المنضمين إليها». وأوضحت أنها لم تيأس، وكان عندها أمل في أن تصل الثورة إلى التلفزيون المصري، وبعد نجاح الدكتور محمد مرسى في انتخابات الرئاسة وتغيُّر الخريطة السياسية لمصر، تقدمَتْ بمذكرة لوزير الإعلام الجديد صلاح عبدالمقصود طالبت فيها بالظهور بالحجاب في نشرة الأخبار، وألحقتها بمذكرة المستندات الخاصة بها، مثل صورة نتيجة مسابقة التلفزيون، التي تؤكد نجاحها كمذيعة، الى جانب صورة من تصريح رئيس قطاع الأخبار في آب (أغسطس) الماضي، أكد فيه أنها المذيعة المحجبة الوحيدة التي اختارتها مسابقة التلفزيون. ورداً على سؤال حول من يمنحها الموافقة على العمل في التلفزيون المصري وقناة «مصر 25» التي يمتلكها حزب «الحرية والعدالة»، قالت: «لا توجد أي علاقة، اذ سُمح لي بالظهور على شاشة التلفزيون المصري فلاعتبارات الكفاءة. عندما تعاونت مع قناة «مصر 25» كنت حصلت على إجازة من دون راتب من التلفزيون الرسمي، بعدما رُفض ظهوري بالحجاب في النشرات الإخبارية». وأوضحت أن الحجاب لا يعبر عن انتماء سياسي، بل هو فرض ديني. وأضافت ان الحجاب ليس ظاهرة غريبة على المجتمع المصري، وخصوصاً أن غالبية المصريات يرتدين الحجاب، وليست كل سيدة مصرية محجبة تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. ورحّب صفوت العالم، أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة بالقرار، قائلاً إن مهارة المذيعة «هي الفيصل، بعيداً مما إذا كانت محجبة أم لا». ورأى ان لا بد من أسس علمية يتم على أساسها تقويم الإعلامي، بعيداً من أي تصنيفات أو انتماءات، وخصوصاً أن المشاهد يتواصل مع الكفاءات بصرف النظر عن بعض الأمور الشكلية. وأشار الى أن التلفزيون المصري يحتاج إلى الاستعانة بكل الكفاءات ليستعيد ريادته، ولن يتمكن من المنافسة الا بدعم من المسؤولين». أياً يكن الأمر، يبقى الخوف من ان يكون القرار خطوة أولى في اتجاه ما يسمى «أخونة التلفزيون الحكومي المصري»، فهل ستُثبت الأيام العكس؟