«أحبّ إليّ أن أنزف دمائي هنا في العراق بدلَ أن أذرف الدموع بعيداً عنه». من المؤكد إن الهولندي الكردي العراقي الشاب (كان موضوع تقرير تلفزيوني للقناة التلفزيونية الحكومية الهولندية الأولى عُرض قبل أيام)، الذي تحدث على هذا النحو الشاعري الحازم قد فكر كثيراً بحياته وحال بلده الأول وبلده الجديد قبل أن يصل الى هذه الخلاصة، وليتوجه عندها الى كردستان العراق، حيث يقاتل الآن الى جنب القوات الكردية دفاعاً عن الإقليم، الذي تعرض لتهديدات جديّة من «داعش» في الأيام القليلة الماضية. سيكون الجندي الشاب، الذي فَضَّلَ عدم ذكر اسمه، المُترجم والدليل لمراسل القناة الهولندية في مدينة أربيل العراقية، اذ سيترجم لهذا الأخير أسماء المدن والقرى الصغيرة التي أتَى منها اللاجئون، والذين كانوا ينتظرون أمام الحاجز الذي يقف عليه على مشارف أربيل. وسيكشف المقاتل، الذي بدا مَزْهُواً باللباس الخاص بقوات البيشمركة، بحماسة وصدق كبيرين عن مشاعره: «تتملكني الرعشة عندما أعي إنني هنا، وإنني ألبس هذا اللباس، وأحمل السلاح دفاعاً عن بلدي وناسي»، يتحدث الشاب بفخر عن بلده الذي عاد اليه جندياً، ولكن باللغة الهولندية، وبلهجة مهاجري ضواحي المدن الكبيرة الشباب. وعندما مرَّ المراسل التلفزيوني على موضوعة التحاق مئات من الهولنديين المسلمين بقوات «داعش»، وإمكانية مواجهة قادمة بينه، أي كمقاتل مع البيشمركة، ضد هولنديين يحاربون مع تنظيم داعش، وجد الشاب الفرصة ليعبر عما يدور في قلبه تجاه هؤلاء «المتطرفين»، فتكلم كثيراً عن «جهل» هؤلاء، و «غبائهم»، وإنه لم يعد يشعر بالإنتماء اليهم كهولنديين مسلمين مثله، رغم إنه ربما عَرف بعضهم في الماضي، وربما جلس الى جانبهم على مقاعد الدراسة، او لعب معهم كرة القدم. الجندي الكردي الشاب تساءل عما يفعله هؤلاء في بلده، غافلاً إمكانية أن يكون بينهم هولنديون عراقيون قد التحقوا ب»داعش» (تتوقع الاستخبارات الهولندية إن حوالى 200 هولندي يقاتلون بين صفوف «داعش» في العراق وسورية وحسب تقرير أخير). واختلفت المُقاربة الإعلامية الهولندية لموضوعة التحاق أكراد عراقيين او سوريين بقوات البيشرمكة الكردية، عن تلك التي قدمت فيها قضية التحاق هولنديين مسلمين بقوات «داعش» او منظمات إسلامية مُتطرفة اخرى في سورية والعراق، فلم يتم التحذير من آثار الحروب على «هولندي البيشمركة»، على خلاف ما فُعل مع «هولنديّي داعش»، كما ساهمت الحماسة التي تحدث بها هولنديون أكراد في الأسابيع الاخيرة، عن الأخطار التي يتعرض لها أبناء جلدتهم في العراق وإمكانية أن يذهبوا للقتال ضد «داعش»، بتحويل حرب البيشمركة الى «حرب ضرروية وإخلاقية»، بخاصة بعد مواقف الحكومة الهولندية الأخيرة، التي أعلنت عن نيتها مساعدة الأكراد واليزيديين في العراق. كما إن الأجهزة الأمنية والقانونية الهولندية أعلنت في وقت سابق من هذا الأسبوع بإنها لن تلاحق الهولنديين الأكراد الذي يقاتلون «داعش» في العراق، رغم أن القانون في البلد يُعاقب بالعادة الهولندي الذي يقاتل الى جانب قوات أجنبية. ولا شك في أن الإضطربات التي وقعت في مركز الحكومة الهولندية في مدينة دنهاخ الأسبوع الماضي، عندما خرج متطرفون يحملون رايات «داعش» في حي تقطنه غالبية مُسلمة وبعدها خروج تظاهرة لقوى يمينة هولندية تندد بالتظاهرة الأولى، ساهم في تركيز وسائل الإعلام الهولندية على هولنديين بخلفيات مُسلمة وشرقية لا يتعاطفون بالمرة مع «داعش»، بل ينتظرون الفرصة لقتال التنظيم. فأولت قنوات تلفزيونية الإعتصامات التي قام بها هولنديون من إصول عراقية وسورية وتركية في هولندا إهتماماً كبيراً، رافقه عرض تغطيات خاصة من مناطق الأحداث، بعضها من إعداد القسم الإخباري للتلفزيون الحكومي، وبعضها الآخر يقف وراءه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، التي نجحت في إيصال فرقها الفنيّة الى جبل سنجار، حيث ما زال بضعة آلاف من اليزيديين العراقيين محاصرين هناك.