عيادته المرضى... وحين أبكاه مصاب «سيد الخزرج»! ومن زياراته: عيادته المرضى، فللمصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - حضورُه الآسي والمُواسي في لحظات الألم، وكُرَب المرض. ومن ذلك أن سيد الخزرج سعدَ بن عبادةَ - رضي الله عنه - اشتكى شكوى، فأتاه النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود - رضي الله عنهم -، فلما دخل عليه وجده قد غُشِي عليه وحوله أهله، فقال: «قَدْ قَضَى؟». قالوا: لا يا رسولَ الله. فبكى النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما رأى القومُ بكاءَ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بَكَوْا، فقال: «أَلَا تسمعون! إن الله لا يعذِّبُ بدَمْع العين، ولا بحُزْن القلب، ولكن يعذِّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم». ها هي رحمة نبيِّك - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي تذرف الدمع عيناه؛ لأن أحد أصحابه قد أغمي عليه! ليت شعري! ماذا كان حال سعد بن عبادة بعد أن أفاق وأبلَّ، فعلم أن رسولَ الله قد بكى لحاله تلك؟! ما وَقْعُ ذلك على بنيه وقرابته ومَن حوله أن يروا رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يتفاعل معهم هذا التفاعل، ويندمج معهم بشعوره ومشاعره، وكأن آلامهم في جسده، وأحزانهم في قلبه؟ إنها رحمة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي وصفه خالقه العليم به، فقال: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 128]. ومن ذلك: عيادته جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال جابر: مَرِضْتُ فعادني رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومعه أبو بكر ماشيين، وأنا في قومي بني سَلِمة، فوجدني قد أُغمي عليَّ، فلا أعقل شيئًا، فتوضأ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم رشَّ عليَّ من وَضوئه، فأفقتُ، فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلتُ: يا رسولَ الله، كيف أصنع في مالي، وإنما يرثني كلالة؟ أي: لا والد لي ولا ولد. فلم يرد عليَّ شيئًا، حتى نزلت آية المواريث. بقي أن تعلم أن جابرًا - رضي الله عنه - الذي كان يسأل رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قسمة ماله إذا تُوفِّي في مرضه ذلك قد عاش بعد وفاة رسول الله نحوًا من سبعين سنة، وبقي هذا المشهد حاضرًا في نفسه! وتأمَّل: «فأفقتُ فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم». كأنه ينظر إليه الساعة ويعيش تلك الفُجاءة. ليس شيءٌ أوقع في نفوس الناس من أن تكون قريبًا منهم لحظة ألمهم وضعفهم، وهكذا كان نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحابه، لا يفقدونه ساعة ألمٍ يواسيهم، أو ساعة فرح يؤانسهم، فحَلَّ من قلوبهم بواطن شغافها.