منذ قرن بدأت الأقلية العلوية رحلة طويلة من الفقر في المناطق الريفية في الجبال المطلة على شرق البحر المتوسط إلى مقعد السلطة السورية في دمشق. والآن ومع مواجهة الرئيس بشار الأسد تهديد ثورة مسلحة فان تلك الجبال يمكن أن تقدم ملاذاً أخيراً إذا سيطر المعارضون على العاصمة. وقد انتقل مئات الآلاف من العلويين بالفعل إلى أمان نسبي في محافظة طرطوس وهي المحافظة الجنوبية من محافظتين ساحليتين تسكنهما غالبية علوية وتقع فيهما سلسلة الجبال التي تمتد من الشمال إلى الجنوب بالقرب من البحر. وأدى انتقال العلويين إلى ظهور تكهنات بأن الرئيس السوري نفسه ودائرته الضيقة ربما يعودون مرة أخرى إلى الحصن الجبلي للأجداد إذا شعروا بأن السلطة تفلت من بين أيديهم. واشتدت هذه التكهنات عندما قالت مصادر معارضة إن الرئيس السوري انتقل إلى مدينة اللاذقية الساحلية الأسبوع الماضي بعد الهجوم الذي قتل أربعة من كبار مسؤوليه. ولم تتأكد هذه التقارير وقالت إسرائيل في وقت لاحق إن الأسد ما زال في العاصمة مع عائلته. لكن كثيرين يشكون في أنها لا تزال خيار الأسد كملاذ أخير. وقال شاشانك جوشي من المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية في لندن: «لن يكون مثيراً للدهشة إذا كانت هناك بعض خطط الطوارئ - منزل آمن وتحصين قصر الرئاسة في اللاذقية ونقل مدفعية إلى الجبال». ولم يصدر عن الأسد أي مؤشر على أنه قد يبحث مثل هذا الإجراء وسيكون أي تلميح علني بأنه يبحث الانسحاب من العاصمة اعترافاً واضحاً بالهزيمة في حرب هو مصمم في ما يبدو على كسبها بأي ثمن. وقال جوشي: «لم نشاهد أي تحريك لمدفعية ثقيلة كبيرة أو وحدات مدرعة كبيرة (إلى المناطق العلوية)». وتابع: «على رغم أنه سيكون خياراً معقولاً فإنهم ما زالوا يشعرون أن بإمكانهم الدفاع عن دمشق قاعدة الحكم في المدى القصير على الأقل». وفي المدى البعيد من الصعب أن ترى الأسد يستعيد السلطة كاملة على البلاد. قواته فقدت السيطرة على عدة مواقع حدودية وانشق عدة آلاف من الجنود ووصل التمرد إلى المدينتين الرئيسيتين في سورية. وبينما ما زال الموالون الأساسيون من قواته المسلحة يتمتعون بمميزات كاسحة في قوة النيران فإنهم غير قادرين على مواجهة كل المعارضين في ذات الوقت على رغم أنهم متناثرون وأسلحتهم خفيفة وتنسيقهم ضعيف لكن عددهم يتزايد. وقال ديبلوماسي غربي في بيروت: «يجب أن تكون يائساً تماماً لكي تغادر دمشق لكن السيناريو الكامل لتقهقر إلى المعاقل (احتمال) قوي». وتابع: «توجد تقارير عن تسليح إيراني لجبال العلويين»، مضيفاً أن سحق المعارضين بشراسة في مدينة حمص التي تقع على مسافة 80 كيلومتراً إلى الشرق من طرطوس ربما كانت جزءاً من خطة للدفاع عن المنطقة العلوية. والجبال التي تطوق الحافة الشرقية للبحر المتوسط قدمت تاريخياً ملاذاً لأقليات أخرى في الشام. وإلى الجنوب كانت ملاذاً للأقليات المارونية والدرزية في لبنان. ومنذ نحو 100 عام شيدت القوى الاستعمارية الفرنسية التي اقتطعت أجزاء من الامبراطورية العثمانية سابقاً دولة للعلويين هناك لكنها لم تستمر طويلاً مما أدى إلى تلميحات بأن الأسد ربما يفكر ويحاول تكرار التجربة. وقال أندرو تابلر الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «السبب في أنني أهتم بذلك هو أنني لا أتوقع أن يسقط نظام الأسد مثل الزعماء في القاهرة أو تونس أو يجري تغييره مثلما حدث في اليمن». وقال تابلر: «سيتقلص. ربما أولاً نحو دمشق ثم ربما إلى الساحل». وأضاف: «وما يتبقى ربما لن يكون دولة- ربما يكون مجرد منطقة نظام». وتابع: «كثير من الطوائف في الشام ستفعل ما يتعين عليها عمله من أجل البقاء - وبخاصة الطوائف التي لديها مخزونات من الأسلحة الكيماوية». وحتى إذا أراد فإن قلة يعتقدون أن الأسد المهزوم سيكون قادراً على اقتطاع دولة لها مقومات البقاء في الأراضي العلوية التي هي أيضاً موطن لكثير من السنة. ومن الناحية الاقتصادية لن يكتب لها الاستمرار إذا كانت - كما هو مرجح - تحت حصار القوى السنية التي تسيطر على بقية البلاد. فليس لديها صناعة ولا تحتوي على أي من احتياطيات النفط المتواضعة في سورية التي تقع في الشرق ولن يكون لها حليف يذكر في الخارج. وقال جوشي: «تركيا ستعارض بشدة إقامة دولة علوية. إنها قلقة في شأن شكاوى العلويين على أراضيها». وروسيا التي لديها منشأة صيانة بحرية في ميناء طرطوس دعمت الأسد حتى الآن لكنها سترى أن أي شراكة مع العلويين تمثل عبئاً أكثر منه شيئاً نافعاً إذا لم تعد لهم السيطرة على دمشق. وإيران وحزب الله سيعيدان التفكير في علاقتهما بالعلويين. وتساءل أنتوني سكينر الخبير بمؤسسة ميبلكروفت لاستشارات المخاطر السياسية قائلاً: «ما هو الدافع الذي سيكون لدى الروس والإيرانيين وحزب الله لدعم ما سيكون في تلك المرحلة حركة مقاومة علوية تركز على البقاء والهجمات الانتقامية؟».