رويترز - قد تظهر المذابح الطائفية في سورية الميليشيات التي تدعمها السلطات في صورة «المسخ» الذي سينفر الحلفاء ويدفع بالتدخل الخارجي وتمزيق أوصال البلاد الأمر الذي سيُسرع بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومع تعبير واشنطن ليل أمس عن القلق في شأن «مذبحة محتملة» في الحفة، قال محللون إنهم لا يرون منطقاً عسكرياً قوياً يدفع الحكومة السورية لارتكاب أعمال القتل السابقة لعشرات المدنيين السنّة في هجومين على قريتين أخريين في شمال غربي البلاد، الأمر الذي ألهب المشاعر ضد الاسد في الخارج وبين من يؤيدونه من الغالبية السنية في سورية. وقال البعض إن مسلحين ممن يعرفون باسم «الشبيحة» من الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد والتي تسلحها النخبة في دمشق، ربما تشن حملة لطرد السنة لإقامة منطقة عازلة حول معقل آمن للعلويين على الساحل الشمالي. ويزيد الأمر من خطر تفكك سورية، على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق، مما سيُحدث هزة في صدوع الأعراق والطوائف في منطقة الشرق الأوسط. وقال سياسي مسيحي شهير في لبنان، والذي استمرت فيه إراقة الدماء لاسباب طائفية لمدة 15 عاما حتى عام 1990: «هذه المذابح نوع من التطهير العرقي... إنهم يطهرون مناطقهم مثلما حدث في البوسنة». وتصاعدت وتيرة العنف الطائفي منذ شهور، حيث قتل مدنيون من السنة والعلويين أو شردوا من منازلهم. لكن المذابح في الحولة والقبير القريبتين من مدينتي حمص وحماة زادت من الضغوط على حلفاء الأسد في الخارج للتخلي عنه، كما عززت مخاوف إراقة دماء في سورية، على غرار ما حدث في العراق. وقال فواز جرجس من كلية الاقتصاد في لندن، إن «الشبيحة» أصبحوا الآن «المسخ الذي يهدد حياة صانعيه»، وذلك بعد إثارة نفور الطبقات الوسطى من السنة في المدن التي كانت تؤيد الأسد وترى فيه حماية للنظام في مواجهة الفوضى وكذلك استياء الغرب وغضب الدول العربية السنية من رعاة العلويين الشيعة، مثل إيران. وقال السياسي اللبناني إن محاولة إيجاد معقل للعلويين على الساحل الغربي لسورية، وهو معقل الطائفة العلوية، قد يكون هو التفسير الوحيد لقتل 78 من السنة في القبير بعد قتل 108 أشخاص في الحولة. وألقت جماعات معنية بحقوق الإنسان باللائمة في المذبحتين على ميليشيا علوية، ارتكبتهما في أعقاب قصف بالمدفعية، مما يؤكد وجود شكل من أشكال الموافقة على ما حدث في الأوساط الرسمية. وأضاف السياسي اللبناني، الذي رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع: «هذا هو التفسير الوحيد لهذه المذابح التي تأتي رغم رد الفعل الدولي». وقال: «من الناحية العسكرية ليست هناك انتصارات مهمة يحققها النظام. يظهر الأمر أنهم دخلوا المرحلة النهائية، وهي البدء بتنظيم صفوفهم في مناطقهم». وقال بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الاوسط في بيروت، إن حاشية الأسد «ربما تخلي «منطقةَ تقهقرٍ» لها في معقل العلويين لتفر إليها إذا لم تتمكن -على رغم تفوقها الكبير في القوة- من الاحتفاظ بالسيطرة على كامل أرجاء سورية». وأضاف: «إن القادة العلويين الذين أثاروا مخاوف بين الأقلية بأنها ستواجه انتقاماً قوياً من السنة إذا تمت الإطاحة بالأسد، يُعِدّون بالطبع لخطة بديلة... إذا اضطروا للذهاب إلى هناك فقد يفعلون ذلك». وقال السياسي اللبناني، وهو على دراية بشكل الحرب الأهلية التي عانى منها لبنان، إن تكرار الأساليب نفسها، مثل قتل النساء والاطفال بدا أن الهدف منه هو نشر الخوف على نطاق أوسع بين السنة الذين يعيشون في مناطق قريبة من المناطق ذات الغالبية العلوية. وأضاف: «بدأت الصورة في التشكل بعد تكرار المذابح... وقعت المذبحة الأولى، فلِمَ الثانية؟ ولماذا حرق المنازل؟ ولماذا القرى؟». وقال سالم إن «حكومة الأسد لن تتراجع بسهولة... أنها تقاتل من أجل البلد بأكملها، لكنها لا تعرف إذا كانت ستنجح، لقد دخلت في مقامرة». ويعيش الكثير من العلويين الذين يمثلون 12 في المئة من السكان في سورية ويصل عددهم إلى 2.5 مليون شخص، في المنطقة بين الحدود اللبنانية والتركية، بما في ذلك ميناء اللاذقية السوري الرئيسي. وكانت المنطقة في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين منفصلة وتحت الحكم الفرنسي وبقيت لوقت طويل منطقة ريفية فقيرة يسيطر عليها مالكو أراض وتجار من السنة، وعلا شأن الكثير من العلويين منذ وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد بشار إلى السلطة عام 1970. وظهر الشبيحة على الساحة في سورية في الثمانينيات وكانوا يديرون تجارة غير مشروعة حتى يزيدوا من ثراء أقارب الأسد. وعلى رغم انضمام السنة إلى الشبيحة أيضاً، فإن هذه الجماعات أصبحت تضم علويين بالأساس منذ أن اتخذ الصراع في سورية والذي بدأ قبل 15 شهراً منحى طائفياً. وقال جرجس، أستاذ سياسة الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد في لندن، إن النظام خلق الشبيحة وحرّكهم وسلّحهم وأصبحوا الآن يمثلون كابوساً سيدمر أركان النظام نفسه بشكل أساسي. وأجبرت قسوة العنف في سورية، والتي أصبح السوريون يطلعون عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الطبقة الوسطى وطبقة التجار السنة في مدينتي دمشق وحلب على تغيير مواقفها بعدما اتسمت بالسلبية.