«هناك في عوالم اللاوعي، مع الأحلام والكوابيس والهلوسات، تمتد دروب لا تعد ولا تحصى، قد تكون مفاجِئة إلى أبعد الحدود... وقد تُفضي إلى اكتشاف عوالم الرغبة والعنف المعقدة والخفية»... في مثل هذه الأفكار والعبارات تعمّق المشاركون في ندوة عن السوريالية وفنونها وحتى «علومها» النفسية، حملت عنوان «أحلام في مكان آخر: الكوابيس والهلوسة مواضيع السوريالية». وذلك ضمن سلسلة «حوارات الفنون»، المواكبة للاستعدادات لافتتاح «اللوفر - أبو ظبي» عام 2015، وتنظمها هيئة أبو ظبي للثقافة والسياحة في منارة السعديات. وشارك في هذه الندوة الأخيرة المدير المساعد في متحف الفن الحديث في مركز «جورج بومبيدو» الفرنسي، ديديه أوتنغييه، ومديرة إدارة التنسيق الفني من وكالة متاحف فرنسا لورانس ديه كار. وتلى الجلسة نقاش بمشاركة الجمهور، إضافة إلى ورشة عمل خصصت للعائلات تحت مسمّى «ألعاب سوريالية». ويهدف منظمو سلسلة «حوارات الفنون» المنتظمة، إلى الإضاءة على الأعمال الفنية التي ستجد طريقها إلى «اللوفر - أبو ظبي». وركزت الندوة الأخيرة على التعريف بلوحات مختارة لاستكشاف عوالم الفن السوريالي وحركاته، كون «اللوفر - أبو ظبي» سيعرض لوحات لفنانين سورياليين سيؤتى بها من متاحف فرنسا ومعارضها. وتقول ديه كار ل «الحياة»: «في انتظار افتتاح المتحف في 2015 ستستمر المحاضرات والندوات، بمشاركة خبراء بارزين وأمناء متاحف وأكاديميين، لتعريف الجمهور إلى رسالة المتحف الفنية والتاريخية»، والتي لا تنحصر في عرض القطع الفنية، بل تمتد إلى فهم سياقاتها الثقافية والتاريخية. وركزت المحاضرة الأخيرة على أعمال الفنان البلجيكي رينيه ماغريت وهو أحد أبرز رموز الحركة السوريالية، والذي ستُحضر أعماله إلى أبو ظبي لتعرض في افتتاح اللوفر هناك. رسم الأحلام أما ورشة العمل فتمحورت حول سؤال «هل تتذكر أحلامك؟». ودُفع الحضور، صغاراً وكباراً، إلى تذكر أحلامهم المميزة التي لم تبارح ذاكرتهم، بهدف كشف قدرة الفرد على التخيل. وبينما اندمج المراهقون في رسم كوابيسهم وتلوينها، واستكشاف الجوانب القاتمة من مخيلاتهم، مال الأطفال إلى توليف اللوحات بالقصّ واللصق، خلال ورشة للتعريف بهذا الفن في إطار التشكيل السوريالي، والذي كان وسيلة شائعة لإنتاج الأعمال الفنية المتسمة بسعة الخيال والتجريب، ما جعل خلاصة هذه الملصقات صوراً عجيبة خارجة عن المألوف. وبدأت تقنية لصق الصور (Decalcomania)، و «كشط الحبيْبات» (Grattage) عام 1937 في تجربة للفنان الألماني ماكس إيرنست، أحد الدادائيين السابقين الذي ضغط صفحة من الورق على سطح مطلي، وأعاد نزعها، ثم وضعها خلف صورة مطبوعة. في حين يتمثّل كشط الحبيبات بعملية كشط الطلاء الجاف عن لوحة زيتية، للحصول على لوحة حادّة المعالم. وكان فن اللصق وسيلة تعبير مهمة للسورياليين الذين وجدوا فيه آلية ناجعة للكشف عما يدور في العقل الباطن، إضافة إلى انعكاسات صور الثقافة السائدة. وعرفت السوريالية رسمياً عام 1924، لكن استخدام المصطلح بدأ عام 1917 عندما استخدمه الشاعر والكاتب المسرحي الفرنسي جيلوم أبولينير في النغمات الموسيقية لبرنامج رقص الباليه «استعراض». وكانت السوريالية في البداية حركة أدبية متحالفة مع حركة دادا «الدادائية»، وفي 1924 وضع الشاعر الكاتب أندريه بريتون ما يعرف ب «البيان الرسمي للسوريالية»، نصح عبره الفنانين باكتشاف العقل الباطن لابتداع الفن. وأصبحت السوريالية حركة عالمية وفكرية وسياسية، تأثر بها بريتون، الاختصاصي النفسي المتمرس، وشعراء مثل لويس أراغون وبول إلوارد، ناهيك عن النظريات النفسية والدراسات المتعلقة بالأحلام بريادة سيغموند فرويد.