ينتظر السوريون شهر رمضان هذا العام على أصوات الانفجارات والرصاص ومشاهد العنف والقتل والمجازر والمداهمات والنزوح والتهجير. الموت يحيط بهم من كل جانب. الجميع متألم ومتوجس وقلق في ظل الأجواء العنيفة المسيطرة. الكل منشغل بما قد يحدث في البلاد أكثر من انشغاله باستقبال الشهر الكريم والقيام بالتحضيرات التي اعتاد القيام بها سابقاً. بدأت المحطات الفضائية وصفحات التواصل الاجتماعي تعلن حلول شهر رمضان، بالتزامن مع تصعيد عسكري وتوقعات بارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية مع الحضور المتزايد للمصلّين في المساجد ومع الأهمية الخاصة للصلوات اليومية التي تشهد عادة في شهر الصيام إقبالاً كبيراً مثل صلاة التراويح التي يؤديها النساء والرجال، كل يوم من أيام شهر رمضان بعد صلاة العشاء ويمكن أن تستمر إلى ما قبل صلاة الفجر. ويتوقع كثيرون أن تكتظ الجوامع بجموع المصلّين وأن تتبعها تظاهرات يومية ليلية حاشدة، كما يتوقع البعض أن تتسع رقعة الاشتباكات المسلحة ويتسع معها الموت والعنف العشوائيين. ضائقة معيشية تشتد الضائقة المعيشية على المواطنين السوريين في ظل ارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية وأحدثها سعر أسطوانة الغاز المنزلي الذي تضاعف فضلاً عن الصعوبة الشديدة في تأمينها، فالأوضاع الاقتصادية السورية تعرّضت لهزات قوية منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في آذار (مارس) من العام الماضي وتزداد شدتها يوماً بعد يوم، الأمر الذي دفع الكثير من المؤسسات والمصانع والاستثمارات الأجنبية إلى إغلاق أبوابها ما انعكس سلباً على توافر السلع الضرورية وفرص العمل المتاحة في البلاد وزاد بالتالي من ضيق الحياة. على رغم ذلك يُعرف عن السوريين أن لا الظروف المعيشية المتردية ولا الحال المؤلمة للعديد من المناطق المنكوبة يمكن أن تحول بينهم وبين معايشة الأجواء الروحانية الرمضانية التي اعتادوا عليها وتشكل عندهم ركيزة إيمانية لا تعوّض تمدّهم بالصبر والقوة. ويبدو الاهتمام بالتسوق ضعيفاً، فلا حركة متميزة، وتبدو الأسواق السورية خالية، مع اكتفاء غالبية الأسر بشراء ما يتيسر لها من مواد ضرورية، في ظلّ الضائقة المعيشية وما يعانيه الوطن من أوجاع. الهدوء النسبي الذي تنعم به الأسر في بعض المدن الهادئة حتى الآن، لا ينسحب على الأسر المرتبكة والمشوشة في المدن المنكوبة مثل حمص ودوما التي لا يجد أهلها مكاناً يؤويهم فكيف في توفير غير ذلك أصلاً. دراما وتبتعد الدراما السورية، التي طالما برز تميزها بزخم الإنتاج في شهر رمضان، عن الواجهة، في ظلّ أحداث أكثر درامية ومأسوية يعيشها السوريون يومياً. وتطغى الأحداث الدموية التي تنتقل من منطقة إلى أخرى، على الاهتمام الشعبي ليبدو الموسم الرمضاني ببرامجه الترفيهية خافتاً بينما تحتل الشاشات الأخبار وصور العنف، فلا روح لمتابعة الدراما الرمضانية ولا وقت للرفاهية. وتنقسم أراء القلّة التي تسمح لها ظروفها بمتابعة بعض المسلسلات الرمضانية، ويتحدد موقفها من المسلسل تبعاً لمعرفتها المسبقة بمواقف كبار الممثلين والمخرجين من الأحداث. فتجد مَن لا يرغب في متابعة مسلسل ما لأن الموقف السياسي لهذا الفنان أو الفنانة لا يتماشى مع رؤيته ورغباته الخاصة، أو مَن أصبح من المعجبين بممثل لم يكن يحبه قبلاً أيضاً بسبب دعمه للاحتجاجات ومطالب الشعب المحقة. وبالفعل يتحدث الكثير من مخرجي الدراما السورية ومنتجيها عن أزمة تعيشها المسلسلات التي كان تقرر إنتاجها هذا العام، بسبب ما تعيشه سورية من أحداث، إذ توقف تصوير بعض الأعمال لأسباب أمنية، كما تأخر وفق بعض المنتجين تسويق مسلسلات أخرى، مما انعكس سلباً على عجلة إنتاج الدراما السورية في ظل موت يعيشه الشعب السوري بشكل يومي. معاني شهر رمضان أصبحت مختلفة عند السوريين، وباتت ترتبط بالتغيير وبالمطالبة بحقوق ضائعة وبالتصعيد السياسي والميداني. رمضان لم يعد شهر الأطايب والسهرات بل شهر الصبر على الآلام والأحزان وتكثيف الاحتجاجات والتظاهرات. الجميع مترقب والجميع متأهب. والانتظار يغدو كل يوم أصعب وأكثر كلفة على شعب بات يتوق لانتهاء موسم العنف والقتل والمآسي ويحلم بالحرية والحياة الكريمة الآمنة.