بدا أمس أن روسيا تستعد لجولة جديدة من المواجهة بين السلطة ومؤسسات المجتمع المدني، بعد توقيع الرئيس فلاديمير بوتين قانوناً مثيراً للجدل يقيّد نشاط المنظمات غير الحكومية، ويضعها على لائحة «العملاء الأجانب». وفور الإعلان عن التوقيع أمس وجّه ناشطون رسالة تحدٍ إلى الكرملين معلنين عدم إلتزامهم القانون الجديد. ولم يكن توقيع بوتين القانون الذي أقره البرلمان الأسبوع الماضي، مفاجئاً للمراقبين، على رغم أن كثيرين أبدوا استياءهم بسبب تجاهل الكرملين آلاف النداءات التي أطلقها ناشطون من أجل إعادة القانون إلى المشرّعين والإمتناع عن توقيعه. وإعتبر مدوّنون على شبكات التواصل الاجتماعي أمس، أن «معركة الحريات بدأت وستكون طويلة وقاسية». وينص القانون الذي أثار جدلاً صاخباً، على أن أي منظمة تحصل على دعم مالي من خارج روسيا وتنشط في الحياة السياسية تدخل فوراً ضمن لائحة «العملاء الأجانب» التي تضعها السلطات تحت رقابة صارمة لجهة نشاطها المالي والسياسي، وتعاقب على أي مخالفة في شكل حازم يراوح بين غرامات مالية باهظة وعقوبات بالسجن لسنوات. واللافت أن القانون أقر في مجلسي الدوما و»الشيوخ» بالتزامن مع قانونين آخرين، يفرض أحدهما قيوداً صارمة على الصحافة، في إطار ما وصِف ب «مكافحة الإفتراء في وسائل الاعلام». وبموجبه تُعاقَب أي مؤسسة إعلامية تبث أو تنشر معطيات يمكن أن تقع ضمن باب الإفتراء، بدفع غرامات باهظة وتصل العقوبة في أحيان كثيرة إلى السجن لسنوات. أما القانون الثاني فوضع «لائحة سوداء» بالمواقع على شبكة الإنترنت التي يشتبه في بثها معلومات يمكن أن تفسّر بأنها ترويج للمخدرات أو التطرف أو بث النزعات الخطرة على المجتمع. وجاء سن القوانين الأخيرة، بعد مرور أسابيع قليلة على إقرار قانون قيّد التظاهرات ونشاط المعارضة في الشارع. ولفت سياسيون معارضون إلى أن بوتين «سار خطوات لتشديد قبضة الكرملين وخنق نشاط المعارضة في الشارع وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني»، كما كتب الناشط ألكسي نافالني. وبين المؤسسات التي تدخل بعد توقيع القانون على لائحة «العملاء الأجانب»، منظمات لعبت أدواراً بارزة في محطات مختلفة، وبينها منظمة «غولوس» التي فضحت تفاصيل كثيرة عن إنتهاكات في العمليات الانتخابية التي أجريت نهاية العام الماضي، ما أسفر عن تحريك نشاط معارض في الشارع يعتبر سابقة، وكذلك مؤسسة «ميموريال» الحقوقية التي نشطت منذ أكثر من عقدين في الدفاع عن ضحايا إنتهاكات حقوق الإنسان في منطقة القوقاز. كما سيدخل ضمن «العملاء الأجانب» صندوق ميخائيل غورباتشوف الذي تلقى دعما مالياً من خارج البلاد. وفي أول مؤشر إلى نية مسؤولي المنظمات غير الحكومية الروسية تحدّي القانون الجديد، والاستعداد لخوض مواجهة قاسية مع الكرملين، قال رئيس «ميموريال» أوليغ أورلوف إن منظمته «ستواصل الحصول على منح مالية من خارج روسيا وسنعلن ذلك بشفافية ووضوح، ولن نرضخ لقانون مريب. وسنلجأ في مواجهاتنا المقبلة إلى القضاء المحلي والدولي».