يجد بعض حلفاء رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» ميشال عون صعوبة في استقراء الأسباب التي دفعته الى خوض معارك سياسية على الجبهات كافة، خصوصاً أنهم يستبعدون أن يكون الاختلاف بين «أهل البيت الواحد» على تثبيت المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان هو السبب الأوحد الذي أدى الى «كهربة» الأجواء بين «التيار الوطني الحر» ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ويعتقدون أنه يتخذ منه ذريعة يمكن أن تدفعه في اتجاه التفكير جدياً في إعادة تموضعه السياسي مع الحفاظ حتى إشعار آخر على علاقته ب «حزب الله». ويؤكد هؤلاء أن «حزب الله» دخل على خط الوساطة بين بري وعون من دون أن ينجح حتى الساعة في التوصل الى تهدئة الأجواء للتفاهم على وقف إطلاق النار السياسي لإيجاد تسوية تبدأ بمشكلة المياومين التي ما زالت عالقة على خلفية أن لا نية لدى الطرفين تقديم تنازلات متبادلة، تفتح الباب أمام البحث في الملفات الساخنة. «حزب الله»: بري خط احمر ويعتقد هؤلاء أن «حزب الله» واجه لدى تدخله لرأب الصدع بين حليفيه منعاً لاحتمال الطلاق النهائي بينهما، مشكلة تتعلق بأن «التيار الوطني» يصر على إحراجه بالطلب منه أن يختار بينهما وهذا ما لا يوافق عليه الحزب الذي لن يتخلى عن بري باعتباره حليفاً استراتيجياً، والعلاقة معه خط أحمر، لا سيما أن الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة تفرض عليه عدم التفريط به لما يترتب على الانفصال عنه من تداعيات تعيد خلط الأوراق شيعياً. وينقل الحلفاء عن قيادي في «التيار الوطني» أن علاقته ببري انكسرت وأن الجهود لن تفلح في إنجاح المحاولات الرامية الى تنظيم الاختلاف بينهما لئلا ينعكس ذلك على قوى 8 آذار ككل، ومن الأفضل أن يترك لعامل الوقت ترميم العلاقة بعيداً من الضغط واستمرار تبادل الحملات غير المباشرة. ويأخذ القيادي نفسه، كما تقول مصادر في 8 آذار ل «الحياة»، على الحزب أنه تعامل في محطات سابقة مع نقاط الاختلاف بين الطرفين وكأنه لصيق بحركة «أمل»، إضافة الى أنه ينظر الى وزير الطاقة جبران باسيل بسبب بعض مواقفه المتطرفة من رئيس المجلس على أنه يفاوض من موقع الخصومة للأخير بدلاً من أن يمارس سياسة ضبط النفس إفساحاً في المجال أمام إعادة ترتيب البيت الداخلي للأكثرية. ويسأل القيادي في «التيار الوطني» عما حصده «الجنرال» من ورقة التفاهم التي أنجزها مع «حزب الله» في شباط (فبراير) 2006، خصوصاً في شأن إعادة بناء مشروع الدولة وتحقيق الإصلاح الإداري ومكافحة الهدر والفساد، مؤكداً أن عون ذهب الى التفاهم من دون أي شروط واختار تحالفه مع السيد حسن نصرالله في الوقت الذي تحاول قوى 14 آذار استهدافه ومحاصرته. ويضيف: «لا نقول هذا الكلام للدخول في بازار سياسي مع الحزب ليدفع فاتورة لعون هي دين سياسي على الحزب، وإنما لشعورنا بأن مشروع بناء الدولة أخذ يتراجع بدلاً من أن يتقدم». ويتابع القيادي أن «التيار الوطني» رأى أن هناك ضرورة للتحالف مع الحزب وأنه أبرم ورقة التفاهم عن قناعة ووفر الغطاء المسيحي للمقاومة في وجه الحملة التي تستهدفها وأقر له بحرية الحركة في اتجاه النظام السوري وإيران من دون أن يسأل عن تفاصيل ما يدور من محادثات بين هؤلاء الأطراف مجتمعين. ويؤكد أن «التيار الوطني» تحمل الكثير من الضغوط الخارجية التي أدت الى انقطاعه عن الولاياتالمتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي من دون أن يشعر حليفه بعدم ارتياحه الى علاقاته بكل من النظام السوري وإيران. ومع أن القيادي في «التيار الوطني» لا يملك معلومات دقيقة عما يتردد في الصالونات السياسية الضيقة من أن «حزب الله» بدأ يتحسب لمرحلة ما بعد التغيير في سورية، وبالتالي يستعد لمواجهة الاحتمالات كافة، فإن سفير دولة أوروبية كبرى قال أمام شخصيات لبنانية في لقاء جمعه بهم أخيراً إن لديه انطباعاً تكوّن من خلال لقاءاته بعدد من نواب «تكتل التغيير» ومسؤوليه بأن الأخيرين يعتقدون أن الحزب بدأ منذ فترة يتحضر لمواجهة احتمال حصول تغيير في سورية، لكنه لم يشركهم في تبادل الآراء، لا سيما أن المعطيات المتوافرة له ليست موجودة لدى التيار. وينقل السفير الأوروبي عن مسؤولين في «تكتل التغيير» قولهم إنهم منذ اللحظة الأولى أقروا بضرورة توفير هامش من حرية التحرك ل «حزب الله» بغية مواكبة الشق السياسي الخارجي المتصل بالمقاومة التي ما زالت تتعرض للاستهداف يتجاوز النطاق المحلي الى خارج الحدود، في مقابل إقرار الحزب لحليفه بهامش من الاستقلالية في تعاطيه مع الملفات الداخلية. لذلك يسأل أكثر من قيادي في «التيار الوطني»: «ماذا سنقول لمحازبينا وأنصارنا مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في ربيع 2013، وهل نصارحهم بأننا أخفقنا في إعادة بناء مشروع الدولة ونحن نتمثل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بعشرة وزراء؟». كما يسأل القيادي نفسه: «كيف سنخوض هذه الانتخابات ومع من وكيف وماذا قدم لنا الحلفاء أو بعضهم على الاقل سوى خيبة الأمل بعدما قطعوا علينا الطريق لإعادة التوازن الى المؤسسات والإدارات العامة؟ ونحن لا ننكر أن المسؤولية تقع على عاتقنا كما على الآخرين الذين تعاملنا معهم بقلب مفتوح وبصراحة من دون مواربة؟». ويعتبر القيادي أن «الحزب قادر على إعادة ترميم الوضع لكنه لا يرغب في التفلت من تحالفه مع بري، ونحن إذ نقدر موقفه، لا نتفهم في المقابل الأسباب التي ما زالت تؤخر التأسيس لإعادة بناء مشروع الدولة، وعندما ذهبنا الى سورية بعد خروجها من لبنان كان يهمنا منع توطين الفلسطينيين وإعادة التوازن الى الساحة الداخلية والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار». ويضيف: «ذهابنا الى سورية جاء بعد أن شعرنا أن قوى 14 آذار تريد تهميشنا، ليس لأنها تعارض انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وإنما لأنها ضربت كل الجهود الرامية الى التفاهم وأفشلت أكثر من اتفاق في الأعوام السابقة، لا سيما أن التقارب بيننا كان ممكناً واختلفنا في انتخابات عام 2005 على نائب أو نائبين وعلى وزير في المفاوضات التي أجريناها قبل أن يشكل الرئيس فؤاد السنيورة حكومته». لكن القيادي يعترف أيضاً بأن «التيار الوطني» أعطي بسبب الاختلاف على تثبيت المياومين هامشاً من الحرية بعدما أوجدوا له الذرائع للالتفات الى خصومه في الساحة المسيحية. فيما يقول قيادي في 14 آذار إن قضية المياومين لم تكن سوى المعبر الذي يتيح لعون الابتعاد تدريجاً عن النظام السوري من دون مواجهة مباشرة معه أو من خلال حلفائه في لبنان. عون يعتقد بالتغيير في سورية ويؤكد القيادي ل «الحياة» أن عون بدأ يتوقف ملياً أمام الأحداث الجارية في سورية، وهو يعتقد الآن أن التغيير فيها سيحصل وبالتالي لا بد من أن يعيد تموضعه في منتصف الطريق راسماً لنفسه مسافة عن النظام السوري من دون أن يعرض علاقته ب «حزب الله» الى اهتزاز على الأقل في المدى المنظور. ويضيف أن عون قرر الدخول في مواجهة مفتوحة لعله ينجح في إعادة تعويم نفسه مسيحياً ويمهد الطريق للخروج بهدوء من دائرة الرهان على النظام السوري، مؤكداً أن «الجنرال» بدأ يستوعب الضغوط من حلفائه وقد يضطر الى تكبير الحجر لاعتقاده بأن لا قدرة لهم على الاستجابة لمطالبه. ويرى هذا القيادي أن عون قد يتراجع في حال قرر حلفاؤه أن يقدموا له ثمناً سياسياً كبيراً ظناً منه أن انفتاحه على خصومه في مسيحياً لن يحقق له ما يتوخاه انتخابياً. وسيضطر عون الى تجديد تحالفه مع «حزب الله» انطلاقاً من أن مد الجسور مع مسيحيي 14 آذار لن يربحه في الانتخابات بخلاف الحزب الذي كان وراء الانتصار الذي حققه في الانتخابات النيابية الأخيرة وبالتالي سيظل بمثابة رأس حربة في الهجوم على تيار «المستقبل» وهو الآن يستغل إعادة توقيف الضباط في قضية اغتيال الشيخ أحمد عبدالواحد ورفيقه محمد حسين مرعب لرفع منسوب الاستنفار في الشارع المسيحي على رغم أنه يدرك أن لا مصلحة لرأس الدولة في تظهير حركة «الاحتجاجات» المنظمة التي تجلت أخيراً في قطع طرق دولية وكأن هناك طائفة أساسية على اختلاف مع الجيش.