فجأة ومن دون سابق إنذار اكتشف «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون، في سياق اعتراضه على تصويت البرلمان على اقتراح قانون تثبيت المياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، أن لديه ملاحظات على أداء حليف حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في إدارته الجلسات النيابية بدءاً بطريقة احتساب أصوات النواب المؤيدين للاقتراح وانتهاء بعدم تمريره مهما كلف الأمر وبرفضه السماح لأحد بأن يمد يده إلى مراكز حساسة جداً، إضافة إلى توجيه انتقاد مباشر إلى حليفه «حزب الله» على خلفية أنه وقف متفرجاً ولم يتدخل لمناصرته في موقفه. ومع أن بري بادر إلى تعليق جلسة البرلمان على رغم أن الجلسة تأتي استكمالاً لمناقشة مشاريع واقتراحات القوانين ولا يتطلب استكمالها توفير النصاب القانوني إلا في حال طرح أي مشروع على التصويت، فإنه في المقابل أراد أن يتجنب الدخول في مواجهة الكتل النيابية التي انسحبت من الجلسة لقناعته بأن هناك حاجة إلى عدم المساس بالميثاقية، خصوصاً أن انسحاب النواب اقتصر على المسيحيين منهم وبالتالي لن يسمح بأي اصطفاف يتسم بطابع مذهبي أو طائفي في البرلمان. لكن عون واصل حملته على بري الذي يرفض حتى الساعة الدخول في سجال معه أو الانجرار إلى مستوى الحملات السياسية والشخصية التي استهدفته، مع أن تضامن النواب المنتمين إلى كتل الأشرفية وحزبي الكتائب و «القوات اللبنانية» شكل انتصاراً لتكتل التغيير، لكن في المقابل، نجح هؤلاء في حشره في الزاوية ولم يعد في مقدوره التراجع. العلاقة بين بري وعون وفي هذا السياق تسأل مصادر نيابية عن الأسباب الموجبة التي أملت على عون أن يشهر كل ما لديه من سلاح سياسي وإعلامي ضد بري بدلاً من أن يترك الباب مفتوحاً أمام الوصول إلى مخرج يمكن أن يتبلور في الساعات المقبلة في نهاية المشاورات التي يقوم بها رئيس كتلة «المستقبل» النيابية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مع حليفيه رئيسي «الكتائب» أمين الجميل و «القوات» سمير جعجع إضافة إلى بري. وتضيف المصادر نفسها هل إن الذي حصل يستدعي من عون الوصول إلى قطيعة مع بري والطلب من حليفه «حزب الله» أن يكون شريكه في تحقيق انتصار سياسي على رئيس البرلمان بدلاً من أن يحفظ له حق التدخل لمعالجة التأزم بين حليفين ما زالت «الكيمياء السياسية» بينهما معدومة على رغم ما يشاع من حين إلى آخر عن أنهما نجحا في التأسيس لمرحلة جديدة في أعقاب الاختلاف الناجم عن الانتخابات النيابية الأخيرة في جزين في جنوب لبنان؟ ومع أن المصادر عينها ترفض الدخول في تحديد مستقبل العلاقة بين بري وعون، فإنها تسأل ما إذا كان الأخير استغل الاختلاف حول تثبيت المياومين، وسارع إلى تكبير الحجر لإنجاز معاملات الطلاق السياسي بين حركة «أمل» و «التيار الوطني الحر» من دون أن يعرّض عون علاقته الاستراتيجية ب «حزب الله» إلى اهتزاز يصعب عليه الرجوع عنه، وإلا لماذا رأى «الجنرال» في موقفه الأخير أن هذا الخلاف يمكن أن يؤسس لحالات سياسية جديدة؟ كما تسأل هذه المصادر هل إن عون أراد من خلال إصراره على رفض اقتراح القانون الرامي إلى تثبيت المياومين تمرير رسالة بأنه على استعداد للدخول في تحالفات جديدة تحت عنوان تجميع المسيحيين حول شعار حماية الوجود المسيحي في الدولة على أساس إعادة التوازن إلى الإدارات والمؤسسات الرسمية خصوصاً أن النائب الكتائبي سامي الجميل أحرجه في موقفه في البرلمان ولم يعد في مقدور «القوات» سوى الانضمام إلى موجة التصعيد مع أن حزبي «الكتائب» و «القوات» وقعا على اقتراح القانون ممثلين بالنائبين فادي الهبر وأنطوان زهرا. وتعتقد المصادر أن عون نجح في إحراج حزبي «الكتائب» و «القوات» اللذين لم يجدا أي تبرير في دفاعهما عن موقفهما المتقلب أمام قوى 14 آذار، والذي تمثل بتفردهما في الموقف من دون التشاور مع حلفائهما، مشيرة إلى أن «الجنرال» يريد، على عتبة الاستعداد لخوضه الانتخابات النيابية عام 2013 في حال سمحت الظروف الأمنية والسياسية بإنجازها، أن يلمع صورته لدى المسيحيين وأن يقدم نفسه على أنه ليس ملحقاً بأحد، وهو حر في اتخاذ الموقف الذي يريد. وتتابع المصادر أن عون اقترب من نقطة اللاعودة في علاقته مع بري ويحاول الآن أن يحرج حليفه «حزب الله»، وإلا لما اتهمه الوزير جبران باسيل بأنه يقف موقف المتفرج وأن لا خيار أمامه سوى التدخل لمصلحة «تكتل التغيير» مع أن قيادة الحزب ليست في وارد إعادة خلط الأوراق في الساحة الشيعية في ظل تصاعد الحديث عن احتمال شن إسرائيل عدواناً يسبق موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدة الأميركية تسعى من خلاله إلى فرض أمر واقع على الرئيس الجديد. إلا أن هذه المصادر تعترف بأن «أمل» و «حزب الله» يدفعان الآن ثمن مراعاتهما إلى أقصى الحدود عون ووقوفهما إلى جانبه، ظالماً كان أم مظلوماً، بدلاً من أن يتدخلا في الوقت المناسب لوضع ضوابط لحملاته على الزعامة السنّية ممثلة برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، على رغم أنهما يهمسان في السر بأنها تضعف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ساحته. وتؤكد أن النظام السوري كان يضغط باستمرار من أجل مراعاة عون وتقديم التنازلات مهما كانت الاعتبارات، لكن وضعه اليوم يختلف عما كان عليه في السابق، وتحديداً أثناء المشاورات التي أجريت لتشكيل الحكومة، وهو الآن مشغول في أزمته وليس لديه من الوقت ليسأل عما يحصل في لبنان. وترى المصادر أن المشاحنات التي تدور من حين إلى آخر بين مكونات أهل البيت الواحد في حكومة ميقاتي أثبتت أن معظم القوى الرئيسة فيها ليست متفقة على حد أدنى من البرنامج السياسي وأن اتفاقها الوحيد بقي محصوراً في إطاحة حكومة الحريري ومنع عودته إلى الرئاسة الثالثة. وإلا لماذا كل هذا التصدع الذي يصيب باستمرار «حكومة الأضداد»؟ سر توقيت المعركة لكن المصادر تسأل أيضاً هل إن عون أراد توقيت معركة تثبيت المياومين لقطع الطريق على التساؤلات التي يطرحها العشرات من المسؤولين في «التيار الوطني» حول الأضرار التي لحقت بهم نتيجة التحالفات السياسية التي أقامها؟ مع أن بعض حلفائه لا يفاجأون بردود فعله السريعة والغاضبة وهو المعروف عنه أنه ليس من الذين يدوّرون الزوايا. وتكشف هذه المصادر أن جلسات من المصارحة حصلت بين عون وبعض أركانه ظلت بعيدة من الأضواء، وتخللتها أسئلة حول تقويم أولي لتحالفه مع «حزب الله» إضافة إلى ما جناه حتى الساعة في الحكومة التي تمثل فيها بعشرة وزراء، مؤكدة أن «الجنرال» يبدي امتعاضه من عدم الاستجابة لرغبته في حل النزاع القائم في بلدة لاسا في جبيل بين مجلسها البلدي والوقف الماروني حول المساحات العائدة للكنيسة المارونية. وتنقل المصادر السياسية عن عون قوله لدى مراجعته من لجنة الوقف الماروني أنه لم يلقَ أي تجاوب، وأن اللجنة التي شكلت لحل النزاع وصلت إلى حائط مسدود. لذا، يشعر بالمرارة والخيبة. كما تنقل عن مسؤولين في «التيار الوطني» قولهم إن «الجنرال» غطى «حزب الله» مسيحياً، لكنه أخفق في تغيير طائفة المدير العام للأمن العام ليتسنى له تعيين ماروني لهذا المنصب، كما أخفق في تعيين مسيحي قائداً لجهاز أمن المطار وفي حض مجلس الوزراء على تعيين القاضي طنوس مشلب رئيساً لمجلس القضاء الأعلى. لذلك، بدأ عون، كما تقول هذه المصادر، يبدي تأففاً من حين إلى آخر ويوزع معاركه على جبهتي الحريري ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط قبل أن يكتشف أن معاركه ضدهما لا تخدمه مسيحياً ولا تحجب الأنظار عن حرق الإطارات المطاطية في مناطق النفوذ الشيعي ضد باسيل وكأنه وحده يتحمل أزمة انقطاع التيار الكهربائي. وعليه، هل بدأ عون يعيد حساباته السياسية أم إنه يضغط لتحقيق انتصارات يمكنه توظيفها في الانتخابات النيابية ظناً منه أن لا مصلحة ل «حزب الله» في استقالة الحكومة، وإذا تعذر عليه جني الأرباح فإنه سيضطر إلى تنظيم تراجعه على خلفية أن حملته على بري لم تكن أبعد من قفزة في الهواء الطلق.