الأنوثة أرقى ما في الوجود. لا معنى له لولاها. جفافٌ، تصحرٌ، خشونةٌ، غلاظةٌ، قتلٌ، سفكُ دماء، وأشياءُ أخرى كثيرة من هذا القبيل. الأنوثة افتتحت الوجود بالتمرد، بالغواية، بتفاحة شهية لولاها ما كان هذا الحضور الأرضي، الترابي. الذكورة جَبلت الترابَ بالدماء. أول ما فعله قابيل قتلُ أخيه هابيل. افتتحَ عصر القتل، ومنذ الجريمة الأولى لا يزال الانسان يقتل أخاه الانسان. أخوة يوسف كانوا أقل جلافةً من قابيل، رموه في البئر وعادوا بدم كذب. يوضاس لم ينتظر صياح الديك ليبيع «معلمه» بثلاثين من الفضة. لا نسمع عن أخت قتلت أختها أو كمنت لها، إلاّ اللواتي استرجلن ورحن يقلدن الرجل في تعطشه الدائم للدماء. المرأة تلفظ الدم الفاسد، تتجدد كل شهر. الرجل يختزن فساد دمه محاولاً تطهيره بسفك دماء الآخرين. لا نسمع عن جنرالات حروب ومذابح من النساء، إلاّ أولئك اللواتي صرن أشبه بهم، يقلدنهم، ويتمثلن بهم، تطبعن مع تراكم التاريخ الذكوري وباتت لديهن عقول ذكورية في أجساد نسوة. الأنوثة تخفّف وطأة الوجود، ليس على الرجل فحسب، بل على المرأة نفسها، المرأة المدركة لقيمة ما وُهبت. ثمة نساء يجهلن معنى الأنوثة أكثر من الرجل. «ليست كل امرأة أنثى، لكن كل أنثى امرأة». المرأة تتأنث بالحُبّ. أن تحب نفسها أو أن يحبها رجل، رجلٌ لا يراها أداة أو وسيلة بل غاية بذاتها. كبار المبدعين الذكور احتاجوا شيئاً من الأنوثة في تكوينهم النفسي والشعوري لكي يمنحوا الوجود كل تلك العطاءات الخالدة موسيقى وشعراً ورسماً وتجليات لا تتأتى بالذكورة وحدها. «الرجل نثر الخالق والمرأة شعره» (نابوليون) *** إنسان يعني:إنس+إنس. إنسان مُثنى لا مفرد: امرأة ورجلٌ معاً. من يومها يحاولان العودة واحداً. حتى لو وافقنا جدلاً وعلى مضض أنها من ضلعه. فهذا يعني أن «مادة» الأنوثة كامنة فيه. لو أدركها وفقه معناها، لكان تعامله معها ومع نفسه أكثر رقياً... وإنسانية. مجالسة الرجال/الذكور باعثةٌ على السأم، تكرار أحاديث السياسة وكرة القدم ولعب الورق (الشَدّة)... واستحضار سيرة النساء واستعراض «البطولات». مخالطة النساء تبعث على العطر والسحر والشعر والحبر المشع. يتجمل الرجل في حضرة المرأة، يُظهر أفضل (أو ما يخاله أفضل) ما فيه، يتخفف قليلاً من أثقال ذكورته وإرث أسلافه، يتعطر بغريزة الاستدراج. المرأة تحنّ الى الاتحاد بنصفها الذي انفصل يوماً، الرجل يسعى لامتلاك نصف خسره يوماً. بين الاتحاد والامتلاك هوة سحيقة. الاتحاد يكون بين متساويين، الامتلاك عبودية أحد لآخره. الحياة أنثى، الحرية كذلك. الحاء أنثى حتى لو ذكّرتها اللغة أحياناً: الحب، الحنان، الحنو، الحدب، الحميم، الحياء، الحُسن، الحلا، الحدب... في الحرب ثمة راء زائدة أضافها الذكر منذ الجريمة الأولى. الحاء رحم الوجود، النون نهده. ليس الخطيئة الأولى ما ينبغي أن يتحرر منها الكائن الأرضي ويتطهر، بل الجريمة الأولى.