للسؤال البديهي «كم الساعة الآن؟» عند المغاربة جواب غير بديهي، وكثيراً ما يكون الردُّ غيرَ متوقع، إذ يبادر المسؤول إلى الإجابة عن السؤال بسؤال: «الساعة القديمة أم الجديدة؟». ينحصر هذا الالتباس عند المغاربة في ما بينهم، فالعادة جعلت منه سؤالاً أكثر من عادي. في المغرب، هناك مَن يضبط عقارب ساعته على التوقيت الشتوي، مفضلاً متابعة حياته اليومية صيفاً وشتاء على وتيرة واحدة، وكأن الزمن لا يتغير، وآخرون -راغبون أو مرغَمون- يواكبون «الساعة الجديدة» كيفما تحركت، فيلتحقون بالتوقيت الصيفي الذي يمدّد النهار ستين دقيقة إضافية على توقيت غرينتش المعتمَد في المغرب، إلاّ أن كثيراً منهم يستحضر في كثير من الأوقات الساعةَ القديمة في ضبط ترتيب روتينهم اليومي مع الآخرين، للاطمئنان بأن التواصل لم يتأثر بالفارق الزمني المختلف في الأذهان. غيّر المغرب توقيتَه الرسمي يوم الأحد 29 نيسان (أبريل) الماضي للعمل بالتوقيت الزمني المتوسط لخط غرينتش زائد ساعة، على أن يستمر العمل بهذا التوقيت لغاية الأحد الأخير من أيلول (سبتمبر) المقبل. غير أن اقتراب شهر رمضان سيكسر قاعدة التوقيت الصيفي، ويعيد المغاربة إلى «الساعة القديمة» خلال فترة الصوم. ولن يطول الارتياح بأنصار الساعة القديمة سوى أسابيع معدودة حتى يعودوا أدراجهم إلى الأخذ في الحسبان «الساعة الجديدة» بداية من عيد الفطر، أي قبيل نهاية شهر آب (أغسطس) بعشرة أيام. تستحق منافع «الساعة الجديدة» أيَّ عناء وانزعاج موقتين يتكبدهما الأفراد، وبخاصة كبار السن وصغارهم. ستون دقيقة إضافية تجلب منفعة كبرى للاقتصاد الوطني تتجلى في ترشيد استهلاك الطاقة بفضل خفض فترة الإضاءة العمومية والمنزلية والاستفادة من الإضاءة الطبيعية لأشعة الشمس، فقد تقلصت فاتورة استهلاك الطاقة بنسبة 140 ميغاواط في اليوم في الأعوام القليلة الماضية. وفضلاً عن ذلك، تقلص الفارق الزمني في المعاملات التجارية والإدارية بين المغرب وشركائه الاقتصاديين إقليمياً ودولياً. لكن اتخاذ قرار الانتقال للعمل بالتوقيت الصيفي لم يكن عملية سهلة، فقد تردد المغرب سنوات طويلة قبل أن يتخلى عن التوقيت الرسمي، لا سيما لجهة قلب العادات المجتمعية والتردد أمام كيفية تدبير الزمن مع حلول شهر رمضان سنوات عدة خلال فترة الصيف التي يطول فيها النهار، ودخل التجربة، ثم عَدَلَ عنها أعواماً، ثم عاد إليها في حزيران (يونيو) 2008. وبعد سنتين متواليتين، اعتُبرتا مثمرتين من الناحية الاقتصادية، خيّم التردد من جديد على الحكومة المغربية مع حلول شهر رمضان في آب (اغسطس) 2010. واستغرق الخروج من حالة التردد عدة أسابيع، ثم قررت الحكومة الاستمرار في التوقيت الصيفي مع تقديم اعتماده من شهر حزيران إلى شهر نيسان (أبريل). قدّمت نتائج دراسة حكومية أُنجزت ما بين نهاية 2010 ومطلع 2011 على شرائح متنوعة من المجتمع، من موظفين ومسؤولي هيئات مهنية وطلبة وفاعلين اقتصاديين في القطاع العام والخاص، خريطة الطريق الزمني، ليتقرر الحسم نهائياً لمصلحة اعتماد التوقيت الصيفي سنوياً. فقد خرجت الدراسة بثلاثة سيناريوهات، تم اختيار الأخير منها: اعتماد التوقيت العالمي بإضافة ستين دقيقة طيلة السنة، أو اعتماد التوقيت الصيفي ابتداء من نهاية آذار (مارس) إلى تشرين الأول (أكتوبر) من كل سنة٬ أو اعتماده ضمن الخصوصيات الجغرافية والسوسيو-ثقافية للبلد، التي تستثني منه شهر رمضان. تقول نورا، العاملة في أحد مصانع النسيج التي تفتح أبوابها للعمال في الساعة السادسة والنصف صباحاً: «لو أن الساعة الجديدة تدوم خمسة أشهر في السنة من دون انقطاع لهان الأمر». وتغير نورا ساعة نهوضها الصباحي المبكر ونومها -متقدماً أو متأخراً ساعة- أربعَ مرات في السنة خلال بضعة أشهر. ومع التغيّر الكلي لنمط الحياة اليومية خلال شهر رمضان، من مواعيد الأكل والنوم وقيام الليل للسحور والصلاة، يصبح التأقلم مع التوقيت الصيفي مشكلة لدى عدد من المغاربة. ويحفّز القلق من وقوع اضطرابات في النوم جراء تغير ساعات النوم والنهوض أنصار الساعة القديمة لكي لا يقدّموا أو يؤخروا عقارب ساعاتهم بدقيقة واحدة، مع أن ارتباك الساعة البيولوجية للجسم لا يستغرق أقل من أسبوع على الأكثر للمتطلبين جداً. وخلاف ذلك، تمنح ساعات النهار الطويلة وقتاً إضافياً للراحة والقيام بنشاطات لا يسمح بها التوقيت العادي. فكثير ممن ينهون عملهم بحلول الساعة الرابعة بعد الظهر، يشعرون وكأن نهارهم لا يزال طويلاً وإمكانية القيام بأي نشاط سهلة، إذ إن ضوء النهار يشع إلى حدود الثامنة والنصف مساء، يمكن خلالها الذهاب إلى البحر والتسوّق وقضاء أغراض كثيرة أخرى. ويبقى تقديم ساعات النهار محط انزعاج من المسنين، لأن صلاة العشاء تتأخّر بينما يغلبهم النوم والعياء، بخلاف الشباب والطلاب الذين يساعدهم طول النهار للتمتّع بوقت الفراغ والتحضير للامتحانات.