أكد "د.عبدالله المسند" - عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم- بمناسبة تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ساعة مكة وإطلاق توقيتها العالمي على أن يتبنى المسلمون ابتداءً والعالم أجمع توقيت مكةالمكرمة (أم القرى) علمياً وإعلامياً، مشيراً إلى أنّ المملكة ذات مساحة واسعة والفارق الزمني بين شرق وغرب المملكة يصل إلى (55) دقيقة. وأوضح في حديث ل"الرياض" أنّ النظام المناسب لدينا في المملكة هو تغيير وقت الدوام بتقديمه ساعة أو نحوها صيفاً، ولا نتعرض للساعة نفسها (أي التوقيت القياسي) بالتغيير تقديماً أو تأخيراً، وهذا يحقق الهدف المنشود من نظام "التوقيت الصيفي"، وفيما يلي نص الحوار: الفارق الزمني *المملكة ذات مساحة واسعة، فهل التوقيت فيها واحد؟ - إذا كنت تقصد بالتوقيت المدني، فإنه توقيت واحد لكل المناطق الثلاث عشرة، أما إذا كنت تقصد بالتوقيت الشرعي، فإنه يتبع حركة الشمس الظاهرية، وعليه هناك اختلاف بين المناطق في المملكة، فعلى سبيل المثال: الفارق الزمني بين الساحل الشرقي (الدمام) والغربي (الوجه) 55 دقيقة، أي أن مدينة الدمام تسبق محافظة الوجه ب 55 دقيقة في الشروق والغروب، وأيضاً أوقات الصلوات طول العام، لوقوعهما على دائرة عرض جغرافية واحدة، وبعبارة أخرى وقت الصلاة يدخل في الساحل الشرقي، وينصرف المصلون من الصلاة، قبل أن يدخل وقت الصلاة ذاتها في الساحل الغربي، لذا ينبغي مراعاة فارق التوقيت بين الشرق والغرب في الاتصال والمواعيد. خط الطول * هل تعتقد أنّ خط طول مكةالمكرمة كان هو الأحق بأن يكون هو خط الطول الأساس بدلاً من جرينتش؟ - في الواقع خط الطول الأساس (صفر) وضع اصطلاحاً عام 1884م، وعلمياً يصلح أن يكون في أي موقع في العالم، ولا مشاحة في الاصطلاح، وأرى أن يبقى النظام العالمي كما هو، فليس مرور خط الصفر فوق جرينتش قدّسها، ولا خلو مكة منه قلل من شأنها، ثم أنّ خط الطول الأساس (جرينتش) لا تمتلكه نقطة جغرافية واحدة، أو مدينة جغرافية بعينها، بل تنسحب الخصائص على كل النقاط التي تقع على طول خط الطول هذا من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي، ومع ذلك عشرات المدن والقرى التي يمر بها خط جرينتش لم يزدها ذكراً ولا تعريفاً، ومكةالمكرمة زادها الله شرفاً وتكريماً ومعروفة في السموات السبع، والذي أراه هنا وبمناسبة تدشين ساعة مكة أن يتبنى المسلمون ابتداءً وفي العالم أجمع توقيت مكةالمكرمة (أم القرى) علمياً وإعلامياً. خط الطول الأساس(صفر) يصلح آن يكون في أي موقع في العالم ولا مشاحة في الاصطلاح توحيد الخط * هل نحن مضطرون لتوحيد خط الطول الأساسي وخط التاريخ الدولي؟ - سؤال في محله، بالتأكيد الحاجة ملحة، فخط التاريخ الدولي على سبيل المثال ضروري لإدارة الوقت وشؤون الحياة على وجه كوكب الأرض، ولمعرفة خط بداية اليوم ونهايته على مستوى العالم، ولرفع الحرج والتشويش الناتج عن كروية الأرض، وتجدر الإشارة أنّ هذا الخط يمكن علمياً أن ينصب في أي مكان في العالم، ولكن منعاً للتشويش، ومن أجل توحيد اليوم بين الشعوب والدول والأمصار قدر الإمكان، أُصطلح وأُتفق العلماء عام 1884م على وضعه في منطقة نائية محيطية كما هو الواقع الآن فوق المحيط الهادي. وسط اليابسة * هل ثبت علمياً أنّ مكةالمكرمة تقع وسط اليابسة؟ وأنّ مكة على خط طول واحد مع المدينة، ما تفسير ذلك من وجهة نظرك الجغرافية؟ - قرأت هذا منذ أكثر من 25 سنة، وحتى البحوث الأخيرة في هذا السياق لم أجد فيها نتائج دقيقة، وقطعية تدل على أنّ مكة تقع فعلاً وسط اليابسة، هذا من جهة ومن جهة أخرى لا تقع مكةوالمدينة على خط طول جغرافي واحد على وجه التطابق، والصحيح أنّ الفارق بين الحرمين 13 دقيقة قوسية، والله أعلم وأحكم. الإعجاز العلمي * ذكرت بعض أبحاث الإعجاز العلمي عن عدم وجود انحراف مغناطيسي للبوصلة في مكة، ما سبب ذلك؟ - أيضاً هذا لم يثبت علمياً، إلاّ عند من يتاجر في الإعجاز العلمي، فإبرة البوصلة في مكة وغيرها من البقاع تتجه إلى الشمال المغناطيسي، وتنحرف يسيراً عن الشمال الجغرافي الحقيقي (القطب)، لأسباب ليس هذا مقام بحثها وبسطها، وأضيف أيضاً أن لا صحة لمن زعم أن أركان الكعبة الأربعة تُشير إلى الاتجاهات الجغرافية بالدقة، بل فيها انحراف؛ لأنّ شكل الكعبة الهندسي مستطيل وليس مربعاً، لذا لا تستقيم العِبارة علمياً ولا هندسياً، وفي هذا الاتجاه أقول أيضاً: لا صحة لمن زعم أنّ مسار واتجاه المسعى ينطبق تماماً مع اتجاه خطوط الطول (شمالي – جنوبي)، بل فيه انحراف يسير، وبهذه المناسبة أقول لمن يشتغل بمسائل الإعجاز العلمي دون ضوابط أو ثوابت، أنّ الإسلام معجز، ومن إعجازه أنه يلفظ الإعجاز المعّوج، والإسلام ليس بحاجة لمن يشهد له زوراً. التوقيت الصيفي * نسمع بالتوقيت الصيفي فما المقصود به؟ - التوقيت الصيفي summertime، أو ما يسمى ب Daylight Saving Time (توفير وقت النهار بالمعنى الحرفي) كما يسمى في بعض الجهات من العالم، يقصد به تقديم الوقت ساعة واحدة (60 دقيقة) في فصل الربيع، وعلى وجه التحديد في شهر مارس، ومن ثم يصبح الوقت مبكراً 60 دقيقة عن الوقت القياسي (الحقيقي)، ويستمر هذا التقديم حتى فصل الخريف، وعلى وجه التحديد في شهر أكتوبر، حيث يتم تعديل الوقت كما كان قبل التقديم، فتؤخر الساعة 60 دقيقة إلى الوراء، لتصبح كما كانت قبل التغيير الأول، ويسمى هذا بالتوقيت الشتوي، وعليه يمكن القول: إنّ التوقيت الشتوي هو الأصل وهو الذي يعكس الواقع، خلافاً للتوقيت الصيفي. ساعة العمل اليومي * يبدو أنّ المسألة غير واضحة، هل لنا بمثال عملي؟ - نعم في المثال يتضح المقال: لو افترضنا أنّ شروق الشمس اليوم في مكة الساعة السادسة صباحاً، وغروبها الساعة السابعة مساءً، فلو طُبقت قاعدة "التوقيت الصيفي" في المملكة، وتم تقديم الساعة 60 دقيقة؛ لتغير وقت شروق الشمس في مكة، ليصبح الساعة السابعة بدلاً من الساعة السادسة، لأننا قدمنا الوقت ساعة واحدة، ولغربت الساعة الثامنة بدلاً من السابعة، وبسبب ذلك التغيير يتخيل للناس أنّ النهار امتد وطال أكثر من الواقع، والحقيقة خلاف ذلك، ومزيداً من البسط والإيضاح في هذه المسألة، فلو كانت بداية ساعة العمل اليومي الساعة الثامنة صباحاً فإنه بين وقتي الشروق والعمل ساعتان وفقاً للتوقيت القياسي (الشتوي) وهذه فترة زمنية طويلة، بينما عندما نطبق التوقيت الصيفي ونقدم الساعة 60 دقيقة، سيكون وقت الشروق الساعة السابعة والدوام الساعة الثامنة، والفرق بينهما ساعة واحدة فقط وهذه فترة زمنية مقبولة. كسب وقت إضافي * ولكن ما الهدف من التوقيت الصيفي؟ - الهدف الأساس والقديم من هذا النظام هو من أجل كسب وقت إضافي من نور النهار خاصة في آخره، وتوفير المال المصروف للإضاءة الصناعية، وذلك في وقت مبكر من القرن الماضي، ولأنّ ساعات العمل في الغرب تمتد معظم ساعات النهار، لذا فإن تبكير الوقت ساعة في الصيف يتيح لهم إنجاز أعمال إضافية أخرى آخر النهار، خاصة أعمال البستنة المنزلية، أو ممارسة الرياضة، أو تناول وجبة العشاء خارج البيت (وتكون بالطبع نهاراً)، أو أي أعمال تتطلب ضوء النهار، كما تعطي وقتاً إضافياً للأطفال للبقاء مع والديهم قبل النوم، هذا من جهة ومن جهة أخرى التوقيت الصيفي يتيح عودة الناس لمنازلهم قبل حلول الظلام مما ساهم في تقليل حوادث الطرق وفقاً للدراسات العلمية، إضافة إلى ذلك مواعيد العمل والدراسة لا تتغير بين الصيف والشتاء. استخدام النظام * ما هي الدول التي تستخدم هذا النظام؟ - أكثر الدول في العالم تستخدم نظام التوقيت الصيفي، وأخرى قليلة لا تستخدمه، ومنها المملكة، ودول الخليج العربي، ومعظم دول وسط أفريقيا، والدول التي لا تستخدم التوقيت الصيفي عادة يسمى التوقيت عندهم التوقيت القياسي Standard time، أوالتوقيت العاديnormal time، أو التوقيت الشتوي winter time. نظام التوقيت * متى طُبق نظام التوقيت الصيفي؟ وما هو رأيك الشخصي حوله؟ وهل تنصح أن يطبق في المملكة؟ - أول من اقترح هذا النظام هو بنيامين فرانكلين عام 1784م ولم تُفعل الفكرة إلا في الحرب العالمية الأولى 1916م، حيث واجهت الفكرة في بدايتها رفضاً من بعض المجتمعات الغربية، وأما رأيي فهناك مفارقات عجيبة في هذا النظام، لأنّ اليوم الذي يقدم فيه الوقت ساعة واحدة في فصل الربيع، هذا اليوم المحدد في السنة، يخسر ساعة فيصبح طوله 23 ساعة فقط، بالمقابل اليوم الذي يؤخر فيه الوقت ساعة واحدة في فصل الخريف، تضاف فيه ساعة إضافية فيصبح طول ذلك اليوم 25 ساعة، وأحسب أنّ هذه سلبية يقع فيها هذا النظام الدولي في معالجة الوقت، سيما أنّ الساعة بل والدقيقة في الحراك العالمي سواء في عالم المال والاقتصاد أو السفر لها ثقلها ووزنها، أضف إلى ذلك أنّ الدول المستخدمة لهذا النظام مختلفة في بداية التغيير ونهايته، ومن سلبيات هذا النظام أيضاً إحداث ربكة في مواعيد الصلاة والإفطار لدى المسلمين عندما يتزامن التغيير مع رمضان، وربكة في مواعيد العمل والاجتماعات المحلية والدولية، كما يحدث أيضاً ربكة في مواعيد السفر على مستوى الأفراد وشركات النقل أيضاً، كما يربك هذا النظام مواعيد النوم وتناول العلاج، وأحياناً المزاج، وفوترة الفواتير لدى الشركات، وأيضاً تعديل الساعات اليدوية والحائطية وبرمجة الأجهزة المؤقتة Timer من أجل تعديل الوقت، هذا من جهة ومن جهة أخرى بعض الناس ينسى التعديل في حينه، أو ينسى صيغة النظام هل يقدم ساعة أو يؤخرها. تقديم الدوام ساعة * وما هو البديل في رأيك في مسألة طول النهار صيفاً وقصره شتاءً؟ - أزعم أنه يمكن حل هذه المسألة دونما تغيير في الوقت مرتين سنوياً، وإحداث إرباك على نطاق واسع بين المواطنين، والجهات الرسمية على مستوى العالم، والفكرة تكمن بالنظام المستخدم لدينا في المملكة، وهو تغيير وقت الدوام بتقديمه ساعة أو نحوها صيفاً، ولا نتعرض للساعة نفسها (أي التوقيت القياسي) بالتغيير تقديماً أو تأخيراً، وهذا يحقق الهدف المنشود من نظام "التوقيت الصيفي" فيكون التغيير في وقت العمل ووقت الدراسة، لا في الساعة نفسها، أما الدول القريبة من خط الاستواء، ودول ما بين المدارين فليست بحاجة أصلاً لنظام "التوقيت الصيفي"، وذلك لاعتدال الوقت في عروضهم الجغرافية، وتساوي الليل مع النهار نسبياً، ولله في خلقه شؤون.