أظهرت بيانات عن نمو الاقتصاد في الربع الثاني من العام الحالي صدرت عن الاتحاد الأوروبي أول من أمس، أن المنطقة الاقتصادية الأكبر في العالم، أي أوروبا، توقفت عن النمو في الأشهر الثلاثة الماضية بين نيسان (أبريل) وحزيران (يونيو). وأشار مكتب الاحصاء الأوروبي «يوروستات» في بروكسيل أن نسبة النمو سجلت معدل صفر في المئة لدول منطقة اليورو ال 18، أي لا نمو عملياً. وعلّق الخبراء على ذلك بالقول إن ألمانيا هي سبب الركود الاقتصادي في أوروبا هذه المرة لأن اقتصادها سجل نمواً سلبياً بلغ 0.2 في المئة، ما قضى على معدلات النمو المتواضع التي سجلتها اقتصادات عدد غير قليل من دول منطقة اليورو. وتخوفوا خبراء من أن يكون انكماش الاقتصاد الأوروبي في الربع الثاني «مقدمة لخسارة ألمانيا دور المحرك لاقتصاد القارة». ولفتوا إلى أن الحديث في الأشهر الأخيرة كان يدلل على بدء خروج دول منطقة اليورو المتعثرة، مثل اسبانيا والبرتغال واليونان، من أزمة اليورو المستمرة منذ اعام 2009. وحتى إرلندا وعدت حتى بدفع ديونها في فترة زمنية أقل مما كان يعتقد. لكن مع نتيجة النمو الموازي للصفر في الربع الثاني، وعدم توقع نتيجة أفضل كثيراً في الربع الثالث، وبقاء البطالة عالية جداً في كثير من دول منطقة اليورو في ظل تنامي النزاعات المسلحة في أوكرانيا ودول الشرق الأوسط، من الواضح أن النجاحات المتواضعة التي سجلتها دول متعثرة، أصبحت مهددة، بل تخشى الوقوع في الأزمة مجدداً. يذكر أيضاً أن إيطاليا التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، دخلت مرحلة ركود بعد انكماش اقتصادها بنسبة 0.2 في المئة مثل ألمانيا. لكن الفارق بين الاثنين أن اقتصاد ألمانيا سجّل في الربع الأول نمواً بلغ 0.8 في المئة، ما يعني في الحسابات 2.4 في المئة على مدى سنة، أي أن الاقتصاد الألماني لا يزال يملك ذخيرة كافية لتصحيح وضعه في نهاية العام الحالي على عكس الاقتصاد الإيطالي. كما أن البطالة في ألمانيا منخفضة، ومعدلها 6.6 في المئة فيما تسجل 12.7 في المئة في إيطاليا، أي الضعف تقريباً. ويؤشر الوضع الاقتصادي في فرنسا التي تشكل الاقتصاد الثاني في أوروبا، بدوره إلى الجمود بسبب رفض حكومتها حتى اليوم تنفيذ الإصلاحات البنيوية المطلوبة. ويبدو أن المشكلة الأكبر التي واجهها الاقتصاد الألماني في الأشهر الأخيرة تمثلت في تراجع الاستثمارات الداخلية والخارجية فيها، وانخفاض الطلب من الدول الصاعدة، بخاصة من الصين والبرازيل. ومما لا شك فيه أن العقوبات الغربية على روسيا، وكذلك العقوبات الروسية المضادة، ستؤثر، ولو قليلاً، على النمو المتوقع للربع الثالث. ويشير الخبراء في هذا الخصوص أيضاً إلى أن أجواء الأعمال في دول أوروبا الشرقية هي أسوأ حالياً مما كانت عليه قبل عشر سنين. وعلى رغم أن الآفاق الاقتصادية في ألمانيا لا تزال جيدة عموماً، إلا ان قلق أوساطها الاقتصادية من تراجع ثقة الشركات الألمانية بتحقيق نمو جيد في الفترة المقبلة آخذ في الازدياد. وكان مؤشر معهد البحوث الاقتصادية «إيفو» في ميونيخ سجل أواخر الشهر الماضي تراجعاً للشهر الثالث على التوالي في أجواء الشركات الألمانية السبعة آلاف التي يستطلعها شهرياً. وانخفض مؤشر الأجواء في تموز (يوليو) إلى 108 نقاط من أصل 109.7 نقطة سجلها في حزيران. وانخفض المؤشر 1.7 نقطة بعد أن توقع الخبراء انخفاضه نصف نقطة فقط. وكان مؤشر الأجواء تراجع من 110.4 إلى 109.7 نقطة في حزيران الماضي. وفي العرف الاقتصادي يعني تراجع مؤشر ما ثلاث مرات متتالية إشارة واضحة إلى وجود خلل ما. ورأى رئيس المعهد هانس فرنر زِن أن التراجع يشير «إلى أن التوترات الجيوسياسية (بدأت) تضغط على الاقتصاد الألماني»، مضيفاً أن أزمات أوكرانيا والعراق وقطاع غزة «تعكّر أجواء الشركات الألمانية المعتمدة على التصدير، على رغم التحول الإيجابي الحاصل هنا على مستوى ارتفاع الاستهلاك الداخلي». ومع ذلك رفض خبراء ألمان الحديث عن توقع هبوط شديد في النمو في البلاد، وحذروا في الوقت ذاته من الانعكاسات المتوقعة اقتصادياً على خلفية تصاعد حدة التوترات في العالم.