يكاد الخبراء والاقتصاديون الألمان يجمعون على أن أزمة اليورو، المفتوحة على مصراعيها في أوروبا، بدأت تضغط على نمو الاقتصاد الألماني الذي بقي طوال سنتين ونصف سنة في معزل عنها، لكن هؤلاء يختلفون في شأن الحلول الممكنة لهذه الأزمة. ولا يزال الركود الاقتصادي يجتاح معظم دول منطقة اليورو، كما تهدّد أزمة اليورو اقتصادات بلدان أوروبية ودولية أخرى، بينها اقتصادات الدول الناشئة التي لا يزال قسم كبير من الخبراء يعوّل عليها لتحريك عجلة الإنتاج في أوروبا. وأظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة للشركات الألمانية، وكذلك نتائج مؤشرات النمو لعدد من معاهد البحوث، ان مرحلة أعجوبة الاقتصاد الألماني شارفت على نهايتها، وأن النمو الاقتصادي في الربعين الأخيرين من هذا العام سيشهد تراجعاً شديداً وقد يصل إلى مرحلة الركود في حال تباطأ الاستهلاك الداخلي. وفي حين سجّلت غالبية دول اليورو في الربع الثاني من العام الجاري نمواً سلبياً تراوح ما بين صفر و0.7 في المئة، تمكنت ألمانيا من تحقيق نمو إيجابي بلغ 0.3 في المئة بعد تسجيل 0.5 في المئة في الربع الأول. ومع ان المحللين الألمان فوجئوا بنسبة النمو التي شهدها الاقتصاد الألماني، مقارنة بمعدل انكماش وسطي لاقتصادات دول منطقة اليورو بلغ 0.2 في المئة، إلا ان خبراء آخرين توقعوا ان يكون هذا النمو هو الأخير الذي تسجله ألمانيا بعد توقعاتهم بدخولها في الركود خلال الربعين الثالث والرابع، مستندين في ذلك إلى مؤشرات مبكرة. ويصب في هذا الإطار مؤشر النمو الذي أصدره أخيراً معهد «إيفو» للبحوث الاقتصادية في ميونيخ، وأكد تراجع النمو الاقتصادي للشهر الثالث على التوالي مع اتخاذه منحىً تراجعياً في الأشهر المقبلة. ويرى الخبراء في التراجع لثلاث مرات متتالية مؤشراً واضحاً على حصول تحوّل سلبي في الوضع الاقتصادي يتمثل في انخفاض الطلب من الخارج والداخل على الصناعة الألمانية بدرجة أولى. وأظهر استطلاع أُجري أخيراً بين مديرين في الشركات الصناعية الألمانية، ان إنتاجها يتراجع منذ أربعة أشهر على التوالي، وبلغ 0.9 في المئة في حزيران (يونيو) الماضي على رغم تسجيله في الشهر الذي سبقه ارتفاعاً بمعدل 1.7 في المئة. وأرجع هؤلاء سبب تراجع صادراتهم إلى أوروبا بنسبة ثلاثة في المئة في حزيران إلى استمرار أزمة الديون والركود في دول القارة، خصوصاً في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. وتمكنت الصناعة الألمانية خلال السنوات الماضية من تعويض خسارتها في أوروبا عبر فتح أسواق في الدول الناشئة وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل. لكن الطلب من الصين بدأ يتراجع أخيراً بعدما خفّضت بكين معدل نموها المتوقع لهذا العام من نحو 11 في المئة إلى 7.6 في المئة، والأمر ذاته في البرازيل. ومعروف أيضاً ان الولاياتالمتحدة، ومنذ بدء أزمتها المالية، قلّصت قسماً كبيراً من وارداتها من ألمانيا. وانخفض الطلب على الإنتاج الألماني في حزيران 1.7 في المئة وتراجعت الصادرات 1.5 في المئة بعد ارتفاعها أربعة في المئة في أيار (مايو)، وفق المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن. في موازاة ذلك، أعلن اتحاد الصناعة الألمانية في تقريره الصادر في نهاية تموز (يوليو) ان اقتصاد البلد حقق في النصف الأول من العام الجاري نجاحات على رغم أزمة اليورو المستمرة. وأوضح الأمين العام للاتحاد، ماركوس كربر، ان الاتحاد لا يزال يعتقد بأن معدل النمو في الناتج القومي السنوي الألماني سيصل إلى واحد في المئة، وهي نسبة يعتبرها عدد كبير من الخبراء اليوم شديدة التفاؤل. أما الحكومة فلا تزال متمسكة بمعدل نمو عند 0.7 في المئة فيما تتوقع معاهد بحوث عدة نمواً يتراوح ما بين 0.3 في المئة وواحد في المئة. وزاد الرهان أخيراً على قدرة السوق الداخلية والاستهلاك الداخلي في منع البلد من الاقتراب من حافة الجمود الاقتصادي. فقد سجّل مؤشر مؤسسة الاستهلاك الألمانية أعلى ارتفاع له منذ آذار (مارس) الماضي فوصل إلى 5.9 نقطة، الأمر الذي فاجأ خبراء السوق. وذكرت المؤسسة ان استطلاعاً لها أظهر ان المستهلكين الألمان مصممون حتى الآن على مواصلة الشراء بعد الزيادات العالية على الأجور التي حصلوا عليها على رغم تزايد قلقهم من تأثيرات أزمة اليورو في موقفهم اللاحق.