سجل مؤشر معهد «إيفو» للبحوث الاقتصادية في ميونيخ تراجعاً للشهر الثالث على التوالي، في أجواء الشركات الألمانية السبعة آلاف التي يستطلعها في البلاد شهرياً. وانخفض في الشهر الحالي إلى 108 نقاط من أصل 109.7 نقطة سجلها في حزيران (يونيو) الماضي. وجاء التراجع أعلى كثيراً مما توقعه خبراء، إذ انخفض المؤشر 1.7 نقطة بدلاً من نصف نقطة. وكان مؤشر «إيفو» لأجواء الشركات تراجع من 110.4 إلى 109.7 نقطة الشهر الماضي. وفي العرف الاقتصادي يعني تراجع أي مؤشر ثلاث مرات متتالية إشارة واضحة إلى وجود خلل ما سيؤثر سلباً في النمو. وأوضح رئيس المعهد هانس فرنر زِن، أن «التوترات الجيوسياسية تضغط على الاقتصاد الألماني»، معتبراً أن أزمتي أوكرانيا وقطاع غزة «يعكّران أجواء الشركات الألمانية المعتمدة على التصدير، على رغم التحول الإيجابي الحاصل هنا على مستوى ارتفاع الاستهلاك الداخلي». لكن خبراء ألماناً كثراً رفضوا مع ذلك الحديث عن توقع هبوط في النمو، لكنهم حذروا في الوقت ذاته من انعكاسات تصاعد حدة التوترات القائمة في العالم، كما هو الأمر في أوكرانيا اليوم وفي العراقوغزة، ومن رفع وتيرة العقوبات الاقتصادية الأوروبية على روسيا. ونبّه اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية الأسبوع الماضي برلين إلى أن «نحو 300 ألف عامل ومستخدم ألماني على ارتباط مباشر أو غير مباشر بالعلاقات الاقتصادية والتجارية مع روسيا». وعلى عكس نتائج حزيران الماضي تراجع مؤشر الأوضاع الراهنة للشركات الألمانية، ومؤشر توقعاتها للأشهر الستة المقبلة، إذ انخفض مؤشر الأوضاع هذا الشهر من 114.8 إلى 112.9 نقطة، ومؤشر التوقعات من 104.8 إلى 103.4 نقطة. وكان أصحاب الشركات السبعة آلاف التي يستطلعها معهد «إيفو» وصفوا أوضاعهم الحالية في حزيران ب «الجيدة» كما كانت في أيار (مايو)، إذ سجل المؤشر 114.8 نقطة أيضاً. فيما بلغ مؤشر التوقعات الشهر الماضي 104.8 نقطة بزيادة 1.4 نقطة حتى على أيار. وفي هذا السياق أيضاً جاءت توقعات النمو ل350 محللاً وخبيراً مالياً في الاستطلاع الشهري الذي يجريه مركز البحوث الأوروبية «زد أي في» في مانهايم الصادر منتصف الشهر الجاري. وتراجع مؤشر النمو للمرة السابعة على التوالي إلى 27.1 نقطة، ومؤشر وضع الاقتصاد الحالي من 67.7 إلى 61.8 نقطة. ورأى رئيس المركز كليمنس فوست أن عجلة الاقتصاد في ألمانيا «تباطأت في الفترة الأخيرة بسبب انخفاض الطلب». لكن، شدد في المقابل على أن «الآفاق المنتظرة على المدى المتوسط لا تزال تسير في الاتجاه الإيجابي». وأعلنت وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية أخيراً أن الإنتاج الألماني «تراجع في أيار الماضي بنسبة 1.8 في المئة مع تقلّص الطلب على الصناعة بنسبة 1.7 في المئة». وبعدما لمحت الوزارة إلى أن لذلك «أسباباً جيوسياسية»، لاحظت أن «مؤشرات كثيرة صدرت أخيراً تدل على استعادة النمو حركته بعد الضعف الذي سُجل في الربع الثاني من هذه السنة، والذي لم يصدر شيء رسمي عن معدله بعد. وعلى رغم القلق من تراجع الصادرات الألمانية لا تزال غالبية خبراء الاقتصاد والمال الألمان تتمسّك بقدرة اقتصاد البلاد، على تحقيق نسبة نمو من 1.9 إلى 2 في المئة هذه السنة. وأكد ذلك أيضاً الخبير المالي يورغ تسوينر في بنك «كا إف كا» الحكومي والخبير الاقتصادي رالف أوملاوف في بنك «هالابا». أما الخبير في فرع بنك «نورديا» للاستثمار في ألمانيا هولغر زاندته، فيرى أن تراجع مؤشر «إيفو» يعود أيضاً إلى ارتفاع سعر النفط في الأسواق الدولية، لافتاً إلى أن المؤشر «لا يزال مع ذلك على مستوى عالٍ لم يصل إليه حتى قبل الوحدة النقدية الأوروبية». وتوقع «استمرار النمو الاقتصادي في البلاد، طالما أن الفائدة على اليورو ستبقى منخفضة إلى هذه الدرجة». ومن علامات ارتياح الألمان إلى مستقبلهم عدم وجود بطالة مقلقة في بلدهم، كما هو حاصل في معظم دول منطقة اليورو المتعثرة. ومع تأمين فرص العمل والتوافق الدوري بين أرباب العمل والنقابات العمالية على دفع زيادات متتالية على الأجور في البلاد، تزداد القوة الشرائية للمواطنين وتشهد الأسواق الاستهلاكية حركة بيع وشراء متنامية، يتوقع المراقبون استمرارها.