تلقفت الأسواق إيجاباً تحرك أوروبا في اتجاه وحدة أوثق، لكن لن ينسحب هذا الموقف على الناخبين الأوروبيين، ما يثير قلق المستثمرين، في وقت تبدو أوروبا أشد انقساماً منذ طرح العملة الموحدة عام 1999. واتخذت أوروبا خطوة هادفة إلى توثيق وحدتها بقرار تعديل قواعد الإنقاذ المالي لمساعدة ايطاليا واسبانيا، والتحرك في اتجاه إنشاء رقابة مشتركة على القطاع المصرفي. لكن يمكن أن يقاوم الناخبون هذه الخطوة، ولو وضع الزعماء الأوروبيون خلافاتهم جانباً وبدأوا بناء ولايات متحدة أوروبية، إذ ربما يرون في ذلك انتقاصاً من السيادة، كما لا يُستبعد أن يؤثر ذلك على الأسواق لو ذهب الجهد الكبير سدى. وأعلن كبير مسؤولي الاستثمار في «نيوتن» لإدارة الاستثمار في لندن (تدير أصولاً ب 80 بليون دولار) سايمون بريك، أن «كثراً في أوروبا لا يريدون أن يكونوا جزءاً من دولة واحدة». ولفت إلى وجود «انفصام بين السياسيين الأوروبيين والناخبين، وكل منهما يسير في اتجاه». ردود فعل غاضبة وأثارت موجة كبيرة من خفض الإنفاق والزيادات الضريبية بهدف تقليص العجز الكبير في موازانات الدول الأوروبية، رد فعل غاضباً من المواطنين في منطقة اليورو، التي تضم 17 دولة خصوصاً في الدول التي تسجل زيادة في البطالة وتراجعاً في النمو أو الانكماش. واختارت أقليات لا بأس بها في الانتخابات الفرنسية واليونانية الأخيرة، أحزاباً من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار بدلاً من التيار الرئيس المؤيد للتكامل الأوروبي. كما تعارض ألمانيا تخفيف إجراءات التقشف، وتقاوم الدعوات إلى إنشاء سوق سندات مشتركة. وعنونت إحدى الصحف الألمانية أخيراً، «لا» بالألمانية والإنكليزية والفرنسية، وحضّ زعماء على مقاومة الجهود لحمل ألمانيا على ضمان ديون دول أخرى في منطقة اليورو. وأشار غريغوري وايتلي من «دبل لاين كابيتال» في لوس انجليس، الى «أن اتفاق بروكسيل على السماح بضخ أموال الإنقاذ مباشرة في المصارف، بدلاً من إقراضها لحكومات مثقلة بالديون، يمثل خطوة مهمة، خصوصاً أنه يتزامن مع مرونة ملحوظة في موقف ألمانيا السابق». لكن اعتبر أن إنشاء هيئة منظمة للقطاع المصرفي في منطقة اليورو للإشراف على هذه المساعدات «ربما يكون أمراً صعباً». وأعلن الزعماء الأوروبيون، «البحث في إنشاء مثل هذه الهيئة بحلول نهاية هذه السنة». وقال وايتلي: «لا نزال بعيدين عن تسوية ذلك، لأن مقاومة الناخبين على الجانبين، في ألمانيا على تقديم تنازلات وفي جنوب أوروبا لمواجهة حدة المشكلة، عقبة كبيرة أمام التوصل إلى حل طويل المدى قابل للتنفيذ». ووصفت صحيفة «دير شبيغل» الاتفاق، بأنه «هزيمة» لألمانيا التي «رضخت لمطالب بشروط أقل صرامة لحزم الإنقاذ وتقديم الدعم للمصارف مباشرة». ولفت سايمون ديريك من «بي ان واي ميلون»، الى أن الاتفاق «جاء رغماً عن ألمانيا، التي تبدو منعزلة سياسياً»، مفترضاً أنها «غاضبة جداً، وتبدو هذه التركيبة خطرة». وهو أحد الأسباب التي جعلت وايتلي يشكك في استمرار ارتفاع الأصول المنطوية على أخطار، ويحذر من «المراهنة ضد صعود مستقبلي للدولار وسندات الخزانة الأميركية التي تعتبر ملاذاً آمناً». ولم يستبعد بريك، توافر «فرص كبيرة للشراء في الأسهم الأوروبية في وقت ما مستقبلاً لكن ليس الآن». وأكد وزراء مال مجموعة العشرين، أن تحرك زعماء منطقة اليورو للسماح بصناديق الإنقاذ الأوروبية بتقديم الدعم مباشرة للمصارف المتعثرة، والتدخل في أسواق السندات لدعم الدول المثقلة بالديون «خطوة مهمة للأمام». واعتبرت المجموعة في بيان أصدرته وزارة المال المكسيكية، أن «الخطوات المتفق عليها في القمة «تتماشى مع التعهدات المقطوعة في لوس كابوس، والقاضية بأن تتخذ أوروبا كل الإجراءات الضرورية لضمان استقرار منطقة اليورو وسلامتها، وتحسين أوضاع السوق». وأملت المجموعة في تطبيق الإجراءات المتفق عليها قريباً، منها وضع التفاصيل النهائية لها، مع العمل على تقوية الاتحاد الاقتصادي والنقدي، ويشمل ذلك وضع خريطة طريق وتحديد إطار زمني». وفي ألمانيا، وافق البرلمان الألماني (بوندستاغ) أول من أمس، وبغالبية كبيرة، على الشرعة المالية الأوروبية وآلية الإنقاذ الدائم. وحصلت المستشارة الألمانية انغيلا مركل على غالبية الثلثين المطلوبة لتبني المشروعين.