في كتابه الجديد المعنون «ذاكرة الرواق وحلم المطبعة: أصول الثقافة الحديثة في مكةالمكرمة»، الصادر عن دار المؤلف في بيروت، يتناول الناقد حسين بافقيه حركة الثقافة في مكةالمكرمة في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر الهجريين (الثامن عشر والعشرون الميلاديين)، وهي الثلاثة قرون المتهمة في الذاكرة الثقافية العربية الإسلامية بأنها كانت عصر انحطاط وتراجع، وركز بافقيه على تطور الخطاب الثقافي في مكةالمكرمة، ولا سيما النخب الثقافية القديمة التي كانت من أبرز النخب الثقافية في العالم الإسلامي في تلك الفترة. يقول بافقيه «كانت فترة رئاستي لتحرير مجلة «الحج والأوقاف» نقطة الانطلاق والمحرك الحافز لتوجيه اهتمامي الى الثقافة العربية القومية، في مرحلة اتسمت بالإزدهار والظلم في آن واحد، إذ بدأت تؤرقني أسئلة كثيرة عن موضوعات عديدة، من ضمنها حركة الرواد في المملكة ومنهم العواد وعبدالجبار وشحاتة والصبان، وغيرهم من الأسماء التي كان لها حضور تنويري ليس في الحجاز وحده بل في الخريطة الثقافية العربية بمجملها. كانوا بما يمكن تشبيهه بالشبكة العنكبوتية في تعالقهم الثقافي مع أدباء عصرهم في الوطن العربي، تفاعلوا وتثاقفوا مع أدباء ومفكرين وفقهاء ذلك العصر، وقرأوا ما قرأه رفاقهم في المغرب والقاهرة والحجاز وتركيا، إذ إن حركة الثقافة في تلك الفترة تشبه تماماً نسيج الشبكة العنكبوتية الواقعية». ويؤكد بافقيه بأن ذلك كان أكبر دليل «توصلت إليه وطرحته في الكتاب، فلم يكن هناك إنحطاط، بل يعتبر ذلك تجنياً لا مبرر له، أثبت عدم صدقيته بالأدلة الوافية الدامغة، فذات الكتب والمجلات التي كانت تطبع في مصر وفلسطين والشام والعراق، تصل إلى أبناء الجزيرة العربية، فقد بقي عرب الجزيرة والحجازيون على علاقة وثيقة بمنتج الثقافة العربية». ويوضح المؤلف في كتابه، الذي يطلقه ويوقعه في معرض الناشرين السعودي الذي ينطلق الأحد المقبل، «أن الكتاب رحلة بحثية مضنية وممتعة في آن واحد، لا أستطيع القول بأنه نتيجة أشهر قليلة، بل هو نتاج سنوات طوال من البحث والتقصي والدرس والاختبار» . ويضيف صاحب كتاب «طه حسين والمثقفون السعوديون» حسين بافقيه أن «مكةالمكرمة حظيت بأول مطبعة في المنطقة وهي المطبعة الأميرية، التى أسسها عثمان باشا نوري والي الحجاز في عهد الدولة التركية العثمانية سنة 1300 هجرية، وجعلها بقرب المسجد الحرام في أول محلة جياد، وكذلك أوائل الصحف، القبلة وصوت الحجاز، فكيف يكون هناك انحطاط، واعتمدت في جزئية أساسية من الكتاب على السير والتراجم، التي خطها طلاب العلم والباحثون والمفكرون الأوائل في تلك المرحلة، إذ يمكن من خلال قرائتها على تلمس الحبل السري الذي ربط الثقافة العربية جلها». ويعرب رئيس تحرير مجلة «الإعلام والإتصال» وصحيفة «أم القرى» عن اهتمامه بهذا الحقل المعرفي، قائلاً «لقد وجدت طريقي وهذا أسعدني كثيراً وملأ حياتي بالتعمق في ثقافة أطهر بقاع الأرض، وآمل أن يجد القاريء والباحث مفاتيح تقوده الى المزيد من البحث في هذه المواضيع الشيقة». الكتاب، الذي يقع في 422 صفحة، قسمه بافقيه إلى أربعة عشر فصلاً، شملت معالم الثقافة المكية التي دارت على روح التنوع والتعدد في مكةالمكرمة، وشكلت ما أسماه المؤلف «أصل الثقافة المكية وفصلها»، في تتبع تاريخي واسع شمل ممثلي الثقافة القديمة والثقافة الحديثة في أم القرى.