عاش لبنان أمس تداعيات الأحداث الدامية التي شهدها أول من أمس الأحد في عكار بمقتل شيخين على حاجز للجيش اللبناني، وفي منطقة الطريق الجديدة في العاصمة بيروت حيث أدت الاشتباكات التي استمرت حتى ساعة متقدمة من الليل، الى سقوط 3 قتلى ونحو 18 جريحاً. وسيطرت على ذيول الاضطراب الأمني الذي هز لبنان في وقت كان جميع المعنيين يعملون على تكريس التهدئة في مدينة طرابلس التي شهدت اشتباكات دامية على مدى الأسبوع الماضي، مضاعفات الانقسام اللبناني حول الموقف من الأزمة السورية التي أخذت تفيض عن الحدود نحو لبنان وتؤثر على استقراره. وشُيّع عصر أمس الشيخان أحمد عبدالواحد ومحمد حسن مرعب في بلدة البيرة في عكار شمال لبنان اللذان كانا سقطا برصاص حاجز للجيش في بلدة الكويخات، في مشهد فاضت فيه مشاعر الغضب والحزن والانفعال في ظل الدعوات الى التهدئة واستيعاب التأزم من قبل القادة السياسيين. وظهر السلاح بكثرة في بلدة البيرة، وأطلقت النار في الهواء بغزارة أثناء التشييع، بعد ليلة قلقة عاشتها بيروت إثر الاشتباكات التي اندلعت مساء أول من أمس بين مجموعة سياسية على تحالف مع سورية و «حزب الله» في منطقة الطريق الجديدة، وبين مسلحين مناهضين لسورية وحلفائها في المنطقة التي تشكل معقلاً لتيار «المستقبل» وزعيمه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وجاء الاشتباك المسلح بعد أن نزل شبان الى الشارع في عدد من مفاصل العاصمة، بينهم مقنعون من هويات سياسية مختلفة لحرق الإطارات وقطع الطرقات، بحيث أمكن القول إن فوضى موصوفة ظهرت في الشارع. وشهدت مناطق كثيرة في بيروت وصيدا والشمال والبقاع قطع بعض الطرقات وغلب الشلل على العاصمة وهذه المناطق، فيما باشر التحقيق العسكري استجواب 3 ضباط و19 عسكرياً أوقفوا منذ ليل أول من أمس، كانوا في عداد حاجز الجيش الذي قتل الشيخان عند مرورهما أمامه. وارتفعت أصوات سياسية تطالب حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالاستقالة، منها لنواب العاصمة بيروت، في معرض استنكار «ما تعرضت له طرق العاصمة والطريق الجديدة من قبل أشخاص موالين للنظام السوري كما أن بعض الأصوات طالب باستقالة قائد الجيش العماد جان قهوجي إذا لم يتخذ إجراءات ضد العسكريين المسؤولين عن مقتل الشيخين». وصدر بيان عن اجتماع مشترك لمجلس المفتين والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في حضور الرئيس ميقاتي ورئيس الحكومة السابق سليم الحص، وبغياب رئيس الحكومة السابق رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة، الذي قاطع الاجتماع واشترط أن يتضمن موقفاً واضحاً ضد التدخلات السورية في لبنان وإحالة جريمة قتل الشيخين على المجلس العدلي. واعتبر المجلس الشرعي ومجلس المفتين مقتل الشيخين بأنه «أكثر من حادث بل هو جريمة اغتيال موصوفة والفتنة بعينها». ودعا بيان صادر عن الاجتماع «السلطة السياسية الى تحمل مسؤوليتها إن في طرابلس أو في عكار فالأجهزة الأمنية يجب أن تعمل تحت إشراف السلطة السياسية، والتي يجب أن تحاسب وتضبط الخلل الذي يبدو أنه استفحل». واعتبر أن ما جاء في رسالة مندوب سورية في الأممالمتحدة بشار الجعفري عن «أن طرابلس وعكار بؤرة للإرهاب والقاعدة مرفوض ومستنكر جملة وتفصيلاً». وأكد الحريري في اتصال أجراه معه منسق الأممالمتحدة في لبنان ديريك بلامبلي «تمسك تيار المستقبل بالدولة التي عليها أن تتحمل مسؤولية حماية جميع المواطنين من دون تفرقة أو استثناء»، مشدداً على وعي اللبنانيين للمخطط الخبيث الذي ينفذه النظام السوري ضد لبنان والذي كانت أكاذيب سفير النظام في الأممالمتحدة بشار الجعفري إشارة الانطلاق الفعلي له». من جهة ثانية، انضمت الكويت الى الدول التي دعت رعاياها الى عدم السفر الى لبنان. ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن مسؤول في وزارة الخارجية الكويتية دعوته «المواطنين الكويتيين الراغبين في السفر الى لبنان الى عدم السفر في ظل الظروف الراهنة نتيجة الأوضاع الأمنية المتوترة التي تشهدها الساحة اللبنانية». ودعا المصدر «المواطنين الكويتيين الموجودين في لبنان الى مغادرته حفاظاً على سلامتهم وفي حال مواجهتهم معوقات، الاتصال بالسفارة في بيروت». وكان الرئيس ميقاتي التقى السفير الكويتي لدى لبنان عبدالعال القناعي. واجتمع السفير السعودي علي عواض عسيري مع وزير السياحة فادي عبود الذي قال إن عسيري ابلغه أن قرار دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين (أول من أمس) دعوة مواطنيها الى عدم السفر الى لبنان «قابل للبحث»... وقال عسيري: «ونحن مطمئنون الى ما أورده الوزير... ونأمل بأن يهدأ الوضع في لبنان ومن اهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن يبقى آمناً مستقراً ويكون السلم الأهلي فيه خطاً أحمر». وقال عسيري: «لم نشعر بأن مواطنينا في خطر في لبنان. وعندما نشعر بذلك نأخذ القرار المناسب». وفي نيويورك، قالت مصادر في الأممالمتحدة إن المنظمة اتخذت «احتياطات أمنية إضافية» في بعثاتها ومقراتها في لبنان، مشيرة الى أن مجلس الأمن «يتابع التقارير عن التطورات في سورية ولبنان وسيناقشها في اجتماعه المقرر الثلثاء المقبل في الجلسة المخصصة لبحث الوضع في الشرق الأوسط». وشددت المصادر على ضرورة «إجراء تحقيقات في أعمال العنف والتوتر الأخيرة في لبنان خصوصاً تلك التي أدت الى مقتل رجلي دين وآخرين، وضرورة عدم تكرارها». وأشارت الى ضرورة سعي القادة السياسيين في لبنان الى حل خلافاتهم من خلال الحوار «نظراً للحالة المضطربة في المنطقة». وبحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التطورات في لبنان مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قمة الحلف الأطلسي في شيكاغو. وعبر بان أمام هولاند عن «التخوف البالغ حول احتمالات الانزلاق الى حرب أهلية في سورية، وانفجار العنف المتصل بها في لبنان». ونقل الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق عن المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلاملي دعوة «جميع الاطراف في لبنان الى وضع مصالح الوطن فوق اي اعتبارات اخرى ومعالجة الاختلافات من خلال الحوار وليس بالعنف». وقالت مصادر ديبلوماسية في مجلس الأمن إن «التحذيرات العديدة التي أطلقت أخيراً حيال انتشار العنف الى محيط سورية ثبتت صحتها في ضوء ما شهده لبنان خلال نهاية الأسبوع». وأكدت «ضرورة استكمال السلطات اللبنانية تحقيقاتها» في الأحداث التي أدت الى وقوع قتلى. ووزعت البعثة الفرنسية في الأممالمتحدة بياناً «استنكر الاعتداء المسلح الذي أودى رجلي الدين». وشددت على ضرورة كشف ملابسات «المأساة كاملة». كما دان «الأحداث التي أودت بحياة شخصين في بيروت». وأكدت فرنسا أن «للقوات المسلحة اللبنانية دور أساسي تؤديه في تأمين وحدة البلاد وأمنها» داعية كل الأطراف الى «الامتناع عن التصعيد والى تجاوز التوتر بالحوار». وفي واشنطن (ا ف ب)، صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية مارك تونر: «نحن قلقون بشأن الوضع الامني في لبنان بعد مقتل الشيخ احمد عبد الواحد والشيخ محمد حسين المرعب، قرب حاجز للجيش اللبناني في منطقة عكار الشمالية». وقال تونر ان «الولاياتالمتحدة تعرب عن احر التعازي» لمقتل الشيخين. لكنه اضاف: «نرحب بالتزام الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني باجراء تحقيق سريع وشفاف في حادث اطلاق النار... وندعو جميع الاطراف الى ضبط النفس واحترام امن واستقرار لبنان».