مع اقتراب السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يشتد الجدل داخل أميركا حول أداء الرئيس باراك اوباما خلال ولايته الأولى، لا سيما في ضوء الاتهامات الموجهة اليه بأنه الرجل الذي قسمت سياساته الأميركيين، عطفاً على القول بفشل سياساته الخارجية، الأمر الذي دعا أخيراً اصواتاً بعينها للتساؤل: «هل سيكرر اوباما فشل تجربة نظيره الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في مواجهة المرشح الجمهوري الصاعد نجمه بقوة ميت رومني، على رغم هويته المورمونية»؟ كيف قسمت سياسات اوباما الأميركيين؟ عبر قراءات متأنية لعدد من استطلاعات الآراء الحديثة التي أُجريت داخل مؤسسات مشهود بنزاهتها، يخلص المرء إلى أن اوباما هو الرئيس الأكثر استقطاباً في السنوات الستين الماضية. هذا الأمر لفتت إليه صحيفة «واشنطن تايمز» أخيراً والتي ذهبت إلى أنه يقود البلاد نحو التفكك الذي بدأ ينمو منذ سنوات. هل من أرقام تدل على ذلك؟ وفق استطلاع أخير لمعهد غالوب، فإن الانقسام الحزبي بشأن اوباما وصل إلى نسبة قياسية للعام الثالث على التوالي. فخلال 2011 كانت الفجوة بين معدلات التأييد له ومعارضته 68 في المئة، وهي أعلى نسبة وصل إليها رئيس أميركي على الإطلاق في سنته الثالثة. هل يعني ذلك مفارقة ما في المشهد الاوبامي؟ قطعاً إن ذلك كذلك. فالرجل وطوال حملته الانتخابية الرئاسية عام 2008 بدا وكأنه المبشر برأب الصدع الحزبي الذي أصاب الولاياتالمتحدة جراء سياسات سلفه الجمهوري جورج بوش، وتشدق كثيراً بالقول انه سيسعى جاهداً للتوصل إلى توافق في الآراء. لكن الواضح أن إغراءات السلطة وغطرسة القوة تغلبتا على طبيعته السمحة، ولم يبذل اوباما الكثير من الجهد لرأب ذلك الصدع الحزبي والتوصل إلى توافق... هل بلغ ذلك الانقسام حدود الكونغرس؟ بالنظر إلى التشريعات التي نجح اوباما الديموقراطي في تمريرها لا نجد نجاحات تذكر سوى في أول عامين من انتخابه، أي في الفترة التي كانت فيها الغلبة للديموقراطيين، ومع تغير المشهد وامتلاك الجمهوريين الغالبية في مجلس النواب، ظهر الانقسام واضحاً، برفض الجمهوريين تمرير مشروعات القوانين التي اقترحها اوباما، وبدا أن الرجل الذي تجرأ على الأمل ذات مرة، اخفق في أن يفي بما وعد به في الخطاب الطوباوي الذي ألقاه عقب فوزه بالانتخابات. هل لهذا أبدى نواب ديموقراطيون من حزب اوباما استياءهم من سياساته؟ حكماً هناك الكثيرون منهم لا يشعرون بأي تغيير حقيقي حدث أثناء رئاسته الأولى، ومن بين هؤلاء هنري وكسمان النائب الديموقراطي عن كاليفورنيا، والذي عبّر عن إحباطه الشديد نتيجة عدم قدرة اوباما على القضاء على الخلافات الحزبية. أما عن اتهامات الجمهوريين في هذا السياق فحدّث ولا حرج، وقد أجملها منافسه الشرس ميت رومني بقوله: «فشل اوباما في التعاون مع الجمهوريين»... هل اقر اوباما نفسه بهذا الإخفاق؟ وما استحقاقات وتبعات ذلك؟ في احد حواراته التلفزيونية الأخيرة اقر بالفعل بأنه لم يحقق تغييراً ملموساً داخل الكونغرس قائلاً «انه ربما ليست لديه القدرة على ذلك، وربما يحتاج إلى فترة رئاسية ثانية لإحداث تغيير حقيقي». كان هذا هو الاعتراف، أما التبعات فتتجلى الآن في الشارع ولدى الناخب الذي يرى فيه رئيساً غير قادر على توحيد الحزبين الكبيرين وبخاصة في الأوقات المهمة، ومثال ذلك السلبي الانقسامات التي حدثت بشأن العلميات العسكرية في ليبيا. هل كان مستشار أميركا للأمن القومي سابقاً زبغنيو بريجنسكي يشير إلى اوباما في سطور كتابه «الرؤية الإستراتيجية» عندما تحدث عن حال أميركا الحاضر موجزاً إياه ب «نظام حكومي غير قادر على إجراء تعديلات جادة لسياساته، وموازنة عسكرية منهكة، ومحاولة طويلة فاشلة للتغلب على أفغانستان»؟ الجواب عند الكاتب الأميركي ديفيد اغناتيوس الذي وصف حال اوباما ب «رجل يجيد التحدث عن الاستراتيجيات أكثر من قدرته على تنفيذها، يدرك حاجة الولاياتالمتحدة إلى إعادة بناء اقتصادها، لكنه لم يطبق سياسات قوية من شأنها التعامل مع حزمة الديون وتدهور البنية التحتية ونظام التعليم العالم». هل يعني ذلك بالضرورة أن ما أصاب الرئيس الديموقراطي السابق كارتر من إخفاقات يمكن ان يطال اوباما بالفعل في تشرين الثاني المقبل؟ علامة الاستفهام المثيرة للقلق هذه جرى طرحها وبقوة في العدد الأخير من مجلة «فورين بولسي»، في قراءة لا يعوزها التحليل الدقيق لريتشارد ويليامسون، الذي رأى أن هناك حالة من تفكك عناصر السياسة الخارجية والدفاعية التي يتبعها اوباما. والمقاربة هذه تقود إلى الإقرار بأن أميركا اوباما اليوم تقترب من أميركا كارتر أوائل الثمانينات من القرن الماضي، والخلاصة أن آخر ما تحتاج إليه الولاياتالمتحدة اليوم قائد من هذا النوع. هل يفهم من ذلك لماذا تتسارع خطوات اوباما السياسية الخارجية ومنها زيارته الأخيرة لأفغانستان؟ تبقى هناك حقيقة مؤكدة وهي انه ربما تجاوزت خطايا أميركا الخارجية وأخطاؤها الداخلية شخص اوباما بما يُعجزه عن تصحيحها في ولاية واحدة، ولهذا قد تظل نافذة الفرصة الثانية مفتوحة له للفوز بولاية ثانية. * كاتب مصري