نتانياهو يلغي الانتخابات المبكرة ويتفق مع موفاز زعيم حزب كديما (أو قديمة ويمثل تيار الوسط) أكبر أحزاب المعارضة في الكنيست لضمه إلى الائتلاف الحكومي، قيل إنه اتفاق بموجبه ستُدفع عملية السلام مع الفلسطينيين، فهل لعقولنا أن تصدق تحقيق هذا السلام؟ فمعضلة السلام الحقيقية ليست في الليكود اليميني وحده، ولا في أكبر ائتلاف حكومي تشهده إسرائيل باتفاق الجبناء كما وصفا (نتانياهو وموفاز)، عقبة السلام في الجسد الإسرائيلي ككل الذي لم يستطع الإجابة (إلى يومك) عن السؤال التالي: هل تريد إسرائيل سلاماً حقيقياً؟! والسلام المعني هو التسليم بالتخلي عن الأيديولوجية الصهيونية القائمة على التوسّع الإقليمي، والتحوّل إلى دولة لا ممثلة للحضارة الغربية وقوتها في المنطقة، ولا أرض الميعاد والاعتقاد بحدود نبوءة الرب لإبراهيم من نهر مصر إلى نهر الفرات. منذ عام 1967 وآلة الدولة الإسرائيلية تعيد تنشئة المواطن الإسرائيلي سياسياً على أنه المتفوق الحقيقي في المنطقة، وأن الأرض التي تم الحصول عليها هي إسرائيلية ولا تفريط فيها، وبدءاً من الهزيمة العسكرية في عام 1973 اهتزت قدرة جهاز الدولة الإسرائيلية، ثم جاءت عملية السلام مع مصر فكانت بداية الخوف المعمّق بخسارة مكاسب إسرائيل التي تحققت في عام 1967، فالأيديولوجية الصهيونية قائمة كما أسلفنا على التوسّع الإقليمي، والتسليم بالسلام معناه الانتقال إلى استراتيجية الانكماش الإقليمي وهذا ما لا يريده الإسرائيليون، وغير مستعدين للاقتناع به بعد، ومن هنا تأتي أزمة الاستيطان. بعد عام 1973 اعتبر المجتمع الإسرائيلي أن حزب العمل (قامت الدولة على أكتافه) هو المسؤول عن الهزيمة العسكرية، فأخذ وزنه النسبي يقل لمصلحة حزب الليكود، وما فوز «العمل» بعد 67 إلا للالتفاف الطبيعي للجماهير وراء السلطة، ولكن حدث أن سقط حزب العمل في الانتخابات التالية، فبرز السؤال: كيف يمكن إدارة السياسة والحكم في الأراضي العربية الجديدة المضافة إلى إسرائيل، عملياً لم تشكِّل أرض سيناء والجولان مشكلة بالمعنى المعروف، فأين جوهر الإشكالية؟ في غزة والضفة الغربية وكيف يكون التعامل معهما، وعلى رغم أن اليسار هو الذي حقق الانتصار إلا أنه لم يستطع أن يقدم الإجابة السياسية للجمهور، فمن الذي قدمّها؟ اليمين من خلال المستعمرات وفكرة الاستيطان الإسرائيلي، أمّا تقوية وتعزيز الجانب الديني في معالجة هذه الإشكالية فكانت تمثِّل الجانب الآخر (لذلك مقالة أخرى)، وهذا بالضبط ما ساعد اليمين (الديني وغير الديني) في ارتفاع نسبة تأييده، ومنذ عام 1977 واليمين هو الذي يحكم، والاستثناء أن يقود اليسار. صحيح التيار اليساري يؤمن بالسلام مع العرب ولكن في حدود مصلحة إسرائيل، فالسلام برأيه لا يجب أن يتعارض مع أمن وسلامة إسرائيل، لذلك هو يؤمن بإقامة دولة فلسطين إنما منزوعة السلاح، أمّا التيار اليميني الإسرائيلي فلا يؤمن مطلقاً بإقامة دولة فلسطين أو نزع المستوطنات وإن شكّلت عبئاً على الجيش والمالية، كما لا يسلِّم مطلقاً بتسليم القدس، فهل نقول إن هناك اتفاقاً ضمنياً من اليسار واليمين حول بقاء الكتل الاستيطانية؟ نعم هو كذلك، واتفاق آخر وصريح باجتماع مختلف التيارات الإسرائيلية بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين من بعد عام 1948، وهو ما يطرح التساؤل حول إمكانية تحقيق مبادرة السلام العربية وقدمها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2002 في بيروت حول السلام الإقليمي في المنطقة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فما العمل وإسرائيل ترفض مسألة الحل العادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين؟ ناهيك عن الانسحاب من الأراضي المحتلة في 67..!! وللمقالة تتمّة. [email protected]