في 29 من الشهر الماضي كتبت عن البرقع تعليقاً على موقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منه وعارضت ارتداء البرقع حتى وأنا أعارض سياسات أخرى للرئيس ووزير خارجيته. ولم يمضِ يومان حتى قتلت الشابة المصرية مروة الشربيني في قاعة محكمة ألمانية لأنها ترتدي الحجاب. شهيدة الحجاب مروة قتلها ألماني متطرف من أصل روسي اسمه «اليكس» كان حاول قبل ذلك نزع الحجاب عن رأسها واتهمها بأنها ارهابية وكنت قبل سنتين رأيت فيديو قتل مسلحون فيه شابتين عراقيتين سافرتين بعد اختطافهما من الشارع. وكتبت عن ذلك الفيديو في حينه لأنني لم أنم بعد أن رأيته، فالموت الحقيقي ليس كالموت في فيلم، والمشاهد يكاد يرى الحياة تتسرب من الضحية، وهذه تنتفض وتتلوى مع كل رصاصة، ثم تهمد بعد دقائق مروعة. ماذا يجمع بين عنصري روسي - ألماني وإرهابي في العراق، الأرجح أنه من القاعدة؟ خلفية الواحد تكاد تناقض خلفية الآخر، غير أن الإرهاب، مثل الكفر، ملّة واحدة، والنتيجة أن تقتل مروة في دريسدن لأنها محجبة، وأن تقتل شابة في العراق لأنها لم تتحجب. مالالاي جويا، وهي أصغر نائبة في البرلمان الأفغاني، تعرضت لخمس محاولات اغتيال حتى الآن لمجرد أنها غير محجبة وتدافع عن حقوق النساء في بلدها. وأنصح القارئ المهتم أن يطلب كتاباً لها عن تجربتها في أفغانستان عنوانه «رافعة صوتي» صدر الأسبوع الماضي في لندن. عندما كتبت عن الحجاب قلت حرفياً «أؤيد نساء الأرض في أن يتحجبن أو يسفرن، وشرطي الوحيد أن يكون ذلك برغبة شخصية وبحرية، ومن دون ضغط أو اكراه». وتلقيت رسائل كثيرة عن الموضوع، وانقسم القراء بين مؤيد ومعارض، ولا مشكلة هنا، ولكن وجدت نقاطاً تستحق العرض وأخرى تستحق الإيضاح. الأخ محمد بن فالح الدوسري قال إنه «لا ينبغي أن ينسب الحجاب الى الفكر الطالباني كما ذكرت، أو الى من يريدون أن يعودوا بنا الى العيش في المغاور لأن كثيرين من علماء المسلمين يرون الحجاب أمراً واجباً، وهم ليسوا من طالبان ولا طالبان منهم». أشكر الأخ محمد على بقية رسالته والتقدير الوارد وأقول له إن حديث ساركوزي وتعليقي كان عن البرقع لا الحجاب، لذلك قلت إن الرئيس الفرنسي دخل علينا من نقطة سهلة، فلا دفاع عن البرقع، أما الحجاب فكان رأيي فيه وقفاً على حرية الاختيار، وربنا يحاسبنا جميعاً. القارئة لولو الصغيرة قالت في رسالتين عبر البريد الإلكتروني إن أهم ما في الموضوع هو «الحرية هي كلمة السر، أو مفتاح الموضوع كله»، وهي تريد أن «تتبروز» هذه الجملة، أي توضع في اطار، وتكمل انها لبست الحجاب منذ أشهر برضا وقناعة شخصية، وتحمد الله أن تربيتها كانت في بيت ديموقراطي وكل عضو حر بقراراته الشخصية ولو كانت تخالف قناعات من حوله. القارئ عمر الفاروق، ولعله اسم «حركي»، يقول رداً على سؤال: «هل أخطأت في سطور المقال إنني أخطأت، وإن الناس في البلاد العربية والإسلامية أكثر حرية من فرنسا نفسها، ولا توجد دولة عربية أو اسلامية واحدة تفرض البرقع أو النقاب أو حتى الحجاب العادي. وأقول للأخ عمر إن الحديث كان عن البرقع لا الحجاب، وعن البرقع الطالباني تحديداً، وأنهم يقتلون النساء اللواتي لا يرتدينه، ولا أفهم كيف فاتته هذه النقطة. الأخ هيثم الشيشاني قال إنه لم يتفق معي مئة في المئة بالنسبة الى مضمون المقال إلا أنه يوافقني الرأي أن يكون الحجاب أو البرقع برغبة شخصية وقناعة. وهذا يكفيني. والقارئ اللبناني مروان سرديني ينتقد حديث ساركوزي عن الحجاب، ويتحداه أن يقول مثل هذا الكلام في القاهرة، ويضيف أن الرئيس الفرنسي يستغل النساء المسلمات في بلاده، مع أوضاع رجالهن الصعبة بحثاً عن لقمة العيش. وأقول مرة أخرى إن الحديث والاعتراض هما على البرقع لا الحجاب. القارئان زاور برسباي وشامل قالا إنني لم أخطئ، أما الأخ أبو مشعل فقال إنني أخطأت في السطور الأربعة الأخيرة في حديثي عن الشابة المنقبة التي جلست في المطعم ووجهها الى الجدار كأنها ولد صغير في صف مدرسة يواجه قصاصاً من المعلم. ورأيه أنها تريد أن تأكل من دون فضول الآخرين. أما أنا فرأيي أننا لم نسألها هل هذا ما اختارت أو ما اختير لها. ولماذا الفضول يستهدفها وحدها، فهل نجلس جميع النساء أمام الحائط لتجنب الفضول. يا أخوان، أكتب بعد أيام فقط من استقبال البابا بنديكتوس في الفاتيكان ساره، زوجة رئيس الوزراء غوردون براون. وقد وضعت منديلاً على رأسها، وميشيل أوباما، بمنديل مماثل، وقبلهما المسز ثاتشر والأميرة ديانا وكل ضيفة أخرى. المهم في الموضوع هو الحرية الشخصية، فلا تقتل شابة لأنها تحجبت أو سفرت، وإذا كان ربنا قال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة، فلا يجوز أن تروح شابة ضحية وجود غطاء على شعرها أو غياب الغطاء. وأبقى مع هذا الموضوع غداً.