قال شهود إن تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) سيطر على سد الموصل، أكبر سد في العراق بعد انسحاب القوات الكردية التي خسرت أيضاً ثلاث بلدات وحقلي نفط أمام تقدم مقاتلي «داعش» أمس، في أول انتصار كبير للتنظيم على القوات الكردية منذ أن اجتاح شمال العراق في حزيران (يونيو)، ما يعزز مساعي التنظيم في إطاحة حكومة بغداد. كما فرض مسلحو «الدولة الإسلامية» سيطرتهم الكاملة على مدينة سنجار التي يقطنها الأيزيديون، ورفعوا رايات «داعش» بدلاً من الأعلام الكردية التي كانت تعتلي الدوائر الحكومية. وأكد مصدر أن عشائر سنّية تقطن جبل سنجار ساندت المسلحين في اجتياحهم المنطقة وانخرط عدد كبير من ضباط الجيش السابقين والحاليين ضمن صفوف التنظيم. وقال إسماعيل السنجاري، أيزيدي، في اتصال مع «الحياة»: «إن منطقة جبل سنجار تعرضت لهجوم مسلح من محورين من جانب فصائل مجهزة بآليات ومدافع رشاشة محمولة مدعومة بعجلات مدرعة ودبابتين، الأول انطلق من منطقة تلعفر والآخر من تلال البعاج، وهاجمت خمس قرى هي: تل عزير وتل كرزرك وتل بنات وتل قصب وسيباشي خضر». وروى السنجاري أن «المقاتلين من الأيزيدية تصدوا بشجاعة لهذه العصابات وتمكنوا من الصمود لأكثر من أربع ساعات على رغم عدم استجابة قوات البيشمركة المتمركزة في مدينة سنجار لتقديم أي دعم لهم طيلة المواجهة. وبسبب نفاد العتاد وضعف الأسلحة التي كانت لا تتعدى بنادق الكلاشنيكوف اضطروا إلى الانسحاب باتجاه الجبل. وبعد أن تمكنت عصابات «داعش» من فرض سيطرتها على هذه القرى الخمس توجهت إلى مركز المدينة ما دفع قوات البيشمركة إلى ترك معسكراتها ومواقع انتشارها والانسحاب إلى كردستان تاركةً الأهالي العزل وجهاً لوجه مع هؤلاء حيث دخلتها في الساعة الحادية عشرة (من صباح أمس) وقامت بإنزال علم كردستان من على أسطح المباني الحكومية ورفع رايات الدولة الإسلامية». وتابع «بعد ساعة طوّق مسلحون من عشائر عربية سنّية تقطن قرة كولى وشمر القريبة منها قرية حردان غرب المدينة يقودهم ضابط برتبة مقدم تمرد على الجيش العراقي الحالي، وأجروا معهم مفاوضات للخضوع تحت سيطرة الدولة الإسلامية مقابل عدم التعرض لهم». وبيّن السنجاري أن «أرتال داعش بعد الظهر انطلقت بثلاثة اتجاهات خلف جبل سنجار، الأول باتجاه ربيعة حيث تمثل المثلث الحدودي العراقي - التركي - السوري، والثاني نحو منطقة خيناصور غرباً للالتحام بالأراضي السورية، ويفصلها عنها ست قرى أيزيدية يقطنها حوالى 50 ألف نسمة، والثالث شمال الشرق حيث تقاطع زمار – ربيعة نحو قضاء سميل جنوب محافظة دهوك». وحذر رجل دين أيزيدي، فضل عدم ذكر اسمه من أن «هناك كارثة إنسانية على وشك الوقوع في سنجار بعد سيطرة المسلحين عليها» مشيراً إلى أن «أكثر من 350 ألف أيزيدي مهددون بالإبادة أو التهجير وترك أراضيهم». وكشف أن «عصابات داعش على رغم وعودها بعدم التعرض لأبناء الطائفة، إلا أننا لا نثق بها، وستقدم على العمل ذاته الذي مارسته في الموصل مع إخواننا المسيحيين». نزوح الأيزيدين وقام مسلحو «داعش» الذين استخدموا سيارات عسكرية استولوا عليها في مدينة الموصل، بتفجير مرقد السيدة زينب في سنجار. وقال غياس سوجي مسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل للصحافيين: «إن قوات البيشمركة انسحبت بالكامل من ناحيتي كرتازرك وملا خضر جنوب سنجار، بعد أن هجم مسلحو «داعش» على مواقعهم». وأردف أن «أهالي الناحيتين نزحوا إلى القرى والجبال والهضاب القريبة، فيما تمكن قسم منهم من الوصول إلى قضاء سنجار، حيث ما زالت قوات البيشمركة تفرض سيطرتها». وهذه حادثة الانسحاب الثانية لقوات البيشمركة من المدن التي فرضت سيطرتها عليها، خلال يومين، بعد انسحابها من منطقة زمار الغنية بالنفط. ويقطن سنجار والقرى المحيطة به وكذلك قضاء زمار، أقلية أيزيدية ناطقة باللغة الكردية. ويبلغ عدد الأيزيديين حوالى 350 ألف نسمة في العراق يعيش معظم أفرادها في الشمال، لكنهم يشكلون 70 في المئة من سكان قضاء سنجار البالغ عددهم 24 ألف نسمة. والأيزيدية مزيج من ديانات عدة مثل اليهودية والمسيحية والإسلام والمانوية والصابئة ولدى أتباعها طقوس خاصة بهم ويشتهرون بصناعة الكحول والحلويات المنزلية. وما زال قضاء سنجار، المنطقة الجبلية التي تبعد 400 كلم شمال غربي بغداد بالقرب من الحدود مع سورية الذي يستضيف عشرات الآف من النازحين التركمان الشيعة الذين فروا من قضاء تلعفر المجاور. من جهة أخرى، صدت القوات العراقية وسكان قضاء إمرلي، ذي الغالبية الشيعية التركمانية، هجوماً من جانب مقاتلي «داعش» الذين يحاصرون إمرلي منذ 54 يوماً، وفق ما أفاد مسؤول محلي. وقال عادل شكور مدير الناحية: «إن القوات الأمنية وبمساندة الصحوات والحشد الوطني صدت هجوماً لمسلحين حاولوا اقتحام الناحية». وأوضح أن «طيران الجيش تمكن من قصف مواقع المسلحين» مشيراً إلى أن «الناحية صمدت منذ 54 يوماً أمام هجمات وحصار المسلحين الذين قطعوا عن إمرلي الماء والكهرباء والاتصالات والطرق الرئيسية». وسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد هجمات شرسة بدأت في التاسع من الشهر الماضي، على مناطق واسعة في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك شمال بغداد، وديالى الواقعة شمال شرق، إضافة إلى مناطق أخرى في الأنبار، غرب البلاد. السيطرة على النفط وبعد أن فرض تنظيم «داعش» سيطرته على ثلاثة حقول نفطية في منطقة زمار التابعة لمحافظة الموصل، قال مصدر في وزارة النفط رفض الكشف عن اسمه، في تصريح ل «الحياة « إن «ما حدث في زمار هو سيناريو تم الإعداد له بعناية لضمان استغلال النفط المنتج في تلك الحقول لمصلحة إقليم كردستان من دون أن يكون للأخير دور معلن». واعتبر أن «ما يهم الإقليم هو الحصول على النفط لقاء مبالغ مالية بخسة مقارنة بحجم الكميات المهربة من جانب داعش»، ولم يستبعد وجود «اتفاق بين الطرفين ينص على أن تنسحب البيشمركة عن ناحية زمار التي تضم حقولاً منتجة نشطة، ومن ثم شراء المنتج من حقولها بأثمان بخسة، لتفادي انتقادات الرأي العام، فضلاً عن بيعه في الأسواق العالمية من دون ملاحقات قانونية أو عراقيل». وأشار إلى أن «الوزارة سبق أن حذرت أكثر من مرة من خطورة تهريب النفط من دون موافقة بغداد». وكشف المصدر أن «هذه الحقول كانت تعمل والإنتاج فيها مستمر، ولكن لم يكن يستخدم الإنتاج في التصدير بسبب توقف التصدير عبر الخط الرئيسي منذ بداية نيسان (أبريل) الماضي». وكانت وزارة النفط كشفت في وقت سابق عن «استمرار التعامل بصفقات مشبوهة بين «داعش» وتجار أكراد متنفذين لتهريب الخام المستخرج من حقول المحافظات الساخنة، بالتعاون والتنسيق مع الإرهابيين، وبأسعار مخفضة جداً». وأكد المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد في تصريحات صحافية أمس أن «القوات المسلحة المتمثلة في طيران الجيش، تنفذ عمليات قصف لصهاريج النفط المسروقة والمتوجهة إلى إقليم كردستان لبيعها على عدد من التجار الأكراد المدعومين من جهات سياسية بعد سرقتها من جانب عناصر «داعش» من حقول حمرين وعجيل»، مؤكداً استمرار «داعش» بعمليات بيع النفط المسروق إلى إقليم كردستان بأسعار بخسة». وأشار إلى أن «عمليات سرقة النفط العراقي على أيدي تنظيم «داعش» لن تستمر طويلاً، لأن القوات المسلحة سيطرت على المناطق القريبة من هذه الحقول التي أضحت تحت مرمى نيرانها». الأممالمتحدة تحذر وأعلنت الأممالمتحدة أمس أن استيلاء تنظيم «داعش» على مدينة سنجار شمال العراق دفع نحو 200 ألف شخص إلى الفرار، محذرة من وجود مخاوف كبيرة على سلامتهم ومن «مأساة إنسانية». وقال المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق نيكولاي مالدينوف في البيان بعد سيطرة عناصر «الدولة الإسلامية» على المدينة الواقعة على الحدود العراقية السورية والتي تستقبل عشرات الآف اللاجئين، أن «مأساة إنسانية تحدث في سنجار». وأكدت الأممالمتحدة أن تقارير تشير إلى أن الناس الذين أجبرهم تنظيم «الدولة الإسلامية» على الفرار يصل إلى 200 ألف نسمة. وأوضح البيان أن «الأممالمتحدة لديها مخاوف كبيرة على السلامة الجسدية لهؤلاء المدنيين المحاصرين من قبل مقاتلي الدولة الإسلامية» في جبال سنجار. وأشار البيان إلى أن «الوضع الإنساني لهؤلاء المدنيين يبدو وخيماً».