يوصف التلفزيون بأنه جهاز «ديموقراطي» يتيح الفرصة لكل من يحاول إيصال صوته في شأن أو قضية ما إلى الآخر المشاهد. وتكريساً لهذه الرؤية خصص عدد من الفضائيات برامج توفر فسحة يعبر، من خلالها، «الجمهور العريض المغيب» عن رأيه، ويفصح عن وجهة نظره في موضوع معين، كما تفعل قناة «بي بي سي» في برنامجها «نقطة حوار»، وكذلك «الجزيرة» في «منبر الجزيرة»، وسواهما من المحطات. ولكن يبدو أن هذه «الديموقراطية الفضائية» ليست مكتملة، بل هي مشروطة ومقيدة، فالمتابع لحملة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المحمومة، التي تجرى الآن، على الأرض والشاشات في إقليم كردستان العراق، تمهيداً ليوم الاقتراع في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، يشعر بأن ثمة غبناً يلحق بأولئك المرشحين الذين لا يملكون منابر فضائية كي يعززوا فرصهم بالفوز في الانتخابات، كما يفعل الحزبان الرئيسان: الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني. لا يمكن أن ننكر حقيقة أن غالبية المصوتين في الإقليم تؤيد وتدعم الحزبين المذكورين، ومرشحيهما، ولكن في المقابل ثمة شخصيات مستقلة، وتيارات وحركات سياسية تبحث عن موقع سياسي لها ضمن الخريطة السياسية في الإقليم، غير أنها تفتقر إلى المنابر والفضائيات، فتتضاءل، عندئذ، فرص فوزها. خمس أو ست فضائيات تتبع الحزبين المذكورين، ففضائيتا «كُردستان تي. في»، و«زاغروس» تتبعان «الديموقراطي»، بينما تتبع فضائيتا «كُرد سات» و«كَلي كُردستان شعب كردستان» «الاتحاد الوطني» الذي يملك، كذلك، فضائية «الحرية» الناطقة بالعربية. هذه الفضائيات تقوم بدعاية متواصلة منذ نحو شهر لدعم مرشحي الحزبين الرئيسيين، ينما لا يجد المرشحون الآخرون «منبراً فضائياً» للإعلان عن برامجهم الانتخابية، وعن أفكارهم وطموحاتهم، وبالتالي لا يتمكنون من استقطاب الأصوات الانتخابية. من البديهي أن تسلك تلك الفضائيات هذا المسلك المؤيد لمالكيها، ولكن السؤال: أين صوت الآخرين؟ ولدى البحث عن إجابة لهذا السؤال، لابد من الإشارة إلى أن ديموقراطية الفضائيات التي يتغنى بها الباحثون والنقاد، خاضعة لأصحاب السلطة والنفوذ والثروات ممن يستطيعون احتكار البث الفضائي. ليس فقط في «الإقليم» بل في مختلف دول العالم. أما الآخرون الذين لا يملكون تلك الإمكانات، فإن أصواتهم تبقى مغيبة، وبالتالي لا يستطيعون الترويج لبرامجهم الانتخابية، الذي يمهد للفوز بمقاعد في المجالس النيابية وفي غيرها من المواقع الرسمية. بهذا المعنى فإن التلفزيون الذي تسجل له قدرته على كشف الكثير من الحقائق، والملابسات كما رأينا، مثلاً، في الأزمة الإيرانية الأخيرة، فإنه، ومن جهة أخرى، يتواطأ، أحياناً، مع «الأقوياء» ضد المهمشين، في معادلة مجحفة تكرس انقساماً حاداً: فئة تملك وتلمع صورتها بحق ومن دون حق، وفئة في الهامش عاجزة عن بلوغ «الفضاء»، فتبقى رهينة أحلام عصية المنال!