ثلاثة عشر شهراً تفصل لبنان عن موعد الانتخابات النيابية التي توصف بأنّها محطّة رئيسية لتثبيت المعادلة السياسية القائمة حالياً أو لتغييرها جذرياً، لكنّ السيناريوات بدأت تُرسَم منذ اليوم لدى مختلف الأطراف بما تتضمّنه من حسابات ربح وخسارة، من دون أن تحمل كلّ هذه المخطّطات أي آمال يمكن للشباب اللبنانيّ الحالم بدولة مدنية البناء عليها. فالنقاشات الحادة الدائرة حول مشاريع القوانين الخاصة بالانتخابات بالإضافة إلى الإصلاحات المقترحة، تجتذب الكثير من الشباب المتحمّسين للمشاركة السياسية وتقرير مصير وطنهم، إلا أنّ الصورة الضبابية سرعان ما تُصبح هي المسيطرة بعدما تمازجت المطالبات بقانون عصريّ مع الرغبة الكبيرة في إبقاء القيد الطائفي. وتُضاف إلى تلك الصورة المطالبات الشبابية بقانون مدنيّ اختياريّ للأحوال الشخصية مع ما يفرضه ذلك من تغييرات في الذهنية القانونية والطائفية في لبنان، فتكون النتيجة تداخل الأفكار الثورية المدنية بتلك المحصورة بنطاق الطوائف من دون أن يفضي ذلك إلى حسمِ واضح لكثير من المسائل المعلّقة والتي لها تأثير مباشر في حياة الشباب اليومية. أملُ التغيير ضئيل بين كلّ هذه الطروحات المتناقضة يقف الناشطون الشباب في لبنان اليوم وهم يحاولون تحديد مسارهم أكانوا حزبيين أم مستقلين، فالشكّ بقوّتهم وقدرتهم على التأثير في قادة أحزابهم أو في النظام الذي يحكم بلادهم واحد، لكنّ الخيارات والقرارات النهائية لهاتين الفئتين ستكون مختلفة تماماً. وإذا كان هناك من مساحة يمكن مراقبة تطوّر النبض الشبابيّ عبرها فهي الجامعات اللبنانية حيث تبدو الانتخابات النيابية وكأنّها ليست بعيدة أبداً أو أنّ التحدّي الوطنيّ بات قريباً إلى حدّ أنّ النقاشات الانتخابية كلّها تُنقل إلى الصفوف وأماكن تجمّع الطلاب. أمّا المسارات الشبابية فهي تتوضّح أكثر يوماً بعد يوم، والبداية مع المستقلّين الذين لا يمكن حصرهم في فئة واحدة، فمنهم من لديه رأي واضح في السياسات الوطنية وآخرون لا يأبهون لكلّ اللعبة الانتخابية ونتائجها. لكنّ المجموعة الأولى هي التي تستأثر بالاهتمام الأكبر اليوم بما أنّها تمثّل كلّ الشباب الذين صدحت الشوارع بأصواتهم منذ أشهر قليلة حين تظاهروا ضدّ النظام الطائفي وحاولوا تشعيل نار الثورة بين اللبنانيين الذين «سجّلوا رقماً قياسياً في الصمت على الظلم الذي يُقترف تجاههم». فالاتجاه هنا واضح وهو يأخذ طريق المقاطعة، لعلّهم يوصلون رأيهم بهذه الطريقة ليس فقط بالانتخابات إنما بالنظام المتكامل. ويعلّل الناشط الشاب فادي شليطا مثل هذا التوجّه بأنّ «أمل التغيير ضئيل جداً في هذه الانتخابات، خصوصاً أنّ الإصلاحات يتمّ إسقاطها واحدة تلو الأخرى، والقيادات الطائفية والحزبية ستعيد انتخاب نفسها عبر قواها المجنّدة دائماً أو تلك التي يتمّ جذبها عبر مختلف أنواع الإغراءات وخصوصاً المادية». أمّا النقاشات كلّها حول القانون الانتخابي الأمثل للبنان، فيراها شليطا «من دون جدوى بما أنّها تدور في فلك النظام الطائفي»، ويضيف: «أي قانون مطروح اليوم سيوصل إلى البرلمان نوّاباً يحملون قضايا الشباب على أكتافهم من البطالة والمشاكل الاقتصادية الضاغطة وصولاً إلى المطالبات الأخرى مثل القانون المدنيّ للأحوال الشخصية وإلغاء الطائفية في المواقع السياسية والإدارية وحماية حرية المعتقد والتعبير؟». وبما أنّ الجواب يعرفه شليطا من دون الحاجة إلى بحث طويل، فهو يجد أنّ المقاطعة أو التصويت بورقة بيضاء هو الطريقة الوحيدة لإظهار الغضب الشعبيّ من السياسات الحكومية المنتهجة منذ سنوات في لبنان. هذا الشعور بالحقن نفسه تجاه اندفاع اللبنانيين نحو الانتخابات المقبلة من دون مساءلة المسؤولين عمّا فعلوه للبنان حتّى اليوم، تُعبّر عنه الناشطة المدنية كارلا مراد، فهي تحاول أن توصل أفكارها إلى رفاقها الشباب وإقناعهم «بضرورة أنّ تكون هناك صرخة شبابية واحدة لتحقيق التغيير، تماماً كما حدث في العديد من الدول العربية». إلا أنّ مراد تصف رد فعل رفاقها المنتمين إلى الأحزاب بأنّه تقليدي، إذ «يبدأون بتعداد الإنجازات العظيمة لقادتهم السياسيين وزعمائهم ويصرّون على اتباع قراراتهم مهما كانت الظروف». وهي تتساءل إزاء هذا الواقع: «أي انتخابات ننتظرها نحن الشباب غير الحزبيين عام 2013 غير تلك التي كانت نفسها في عام 2009 وقبلها عام 2005؟». جمهور أم قوّة فاعلة؟ وصف الشباب الحزبيّ بالمستسلم لقرار قياداته لا ينال الإثناء من مختلف الجهات السياسية، باعتبار أنّ المشاركة في الانتخابات وفي صنع القرار الوطنيّ هي واجبٌ بالنسبة إلى الشباب تماماً كما لأي مواطن. وتؤكد الشابة لينا مكرزل، المنتمية إلى تيار سياسيّ محليّ، أنّ «التفكير بالمقاطعة هو انتحار لفئة الشباب لأنّ ذلك يعني انسحابهم من دورهم الأساسيّ لتحقيق التغيير في بلدهم». فنظرة مكرزل، كما غيرها من الشباب ذوي الانتماءات السياسية، تختلف تماماً عن المستقلين لأنّ «التبدّلات لا يمكن إحداثها من الخارج بل يجب أن يكون الناشطون ضمن اللعبة السياسية ليوصلوا أصواتهم إلى القيادات الطائفية والسياسية». لكنّ التساؤل الرئيسيّ الذي يُطرح في هذا المجال هو: هل آراء هؤلاء الشباب المتحمّسين تصل إلى القيادة بالدرجة الأولى ليتمّ أخذها في الاعتبار من ناحية تحديد مشروع القانون الانتخابيّ الملائم والإصلاحات الضرورية؟ عن هذا التساؤل يجيب الناشط الحزبيّ نادر خليل بأنّ «لكلّ تيار أو حزب سياسيّ هيكلية معيّنة لإيصال صوت جمهوره إلى قادته من خلال اللجان، وبالتالي فالشباب يمكن أن يوصلوا صوتهم إلى السياسيين وهم ليسوا مجرد جمهور يصفّق من دون تفكير». إلا أنّ خليل يلفت إلى أنّ الشباب الحزبيّ غالباً ما يكون لديه الأفكار نفسها كما قادته، وهم يتشاركون المبادئ ذاتها ما يودي إلى حالة من الانسجام في المواقف، وهذا ما يهزّ ثقة المستقلين بزملائهم الذين يعدونهم بلبنان مختلف على رغم انتمائهم الحزبيّ. ومهما كان الخيار الذي يتجّه إليه الشباب اللبنانيون في الانتخابات المقبلة، الأكيد أنّ الماكينات الانتخابية أعطت الضوء الأخضر لانطلاق عمليات «تجنيد» الناشطين السياسيين عبر مختلف الوسائل المُتاحة من الاجتماعات والندوات إلى المحاضرات وصولاً إلى إغراء كلّ من لا يزال ينأى بنفسه عن المخطّطات السياسية، فهل يُسمع المستقلّون صوتهم أو يتركون المساحة كلّها للناشطين الحزبيين؟