طلابٌ يحلمون بلبنان سيّد حر مستقل، مناقشات في زوايا المطاعم و»الكافيات» حول مسارات التظاهرات، حركة شبابية عفوية تتجاوز كل الهيكليات العقيمة... مشاهد لم تُلتقط في لبنان خلال عام 2011 إنما صوّرها فيلم «Rue Huvelin» للمنتج مارون نصّار، الذي عاد بالزمن ليؤرخ مرحلة النضال الطلابي منذ التسعينات وحتى عام 2005. فيلم لا يمكن إلا الانطلاق منه للمقارنة مع واقع الشباب اللبناني طيلة عام 2011، وهي سنة حملت رياح الثورة الى الكثير من الدول العربية، فيما كان صدى سقوط حلم التغيير قوياً في لبنان، لا سيما أن الفئة الشبابية طالما كانت حاملة لراية الثورة في أصعب الحقبات، فبدل مشهد المناقشات حول التظاهرات الوطنية كانت الصورة التي تطبع عام 2011 هي التي تجسّد واقع الانقسامات الطائفية والسياسية القادرة على إطاحة أكثر الأحلام وردية في أذهان الشباب الطامحين. وبدل مشهد حركة الشباب العفوية حلّت النزاعات على المواقع حتى في التظاهرات التي كان لا بد من أن تؤسس لدولة مدنية يكون فيها الشخص المناسب في المكان المناسب. هكذا سُرقت لحظة الثورة من الشباب اللبنانيين أو أنهم هم أضاعوها، إلا أن النتيجة واحدة، فبقي النظام كما هو من دون أن يتغير اي تفصيل فيه. الشعارات التي رفعها الناشطون الشباب في لبنان خلال هذا العام عكست حقيقة الرؤية لهذه الفئة تجاه الأزمات المستمرة منذ سنوات على مختلف الصعد، فكانت المطالبة بإقامة دولة مدنية، وتحديداً بقانون مدني للأحوال الشخصية، بالإضافة الى رفض الانقسام الطائفي والحاجة الى الإنقاذ الاجتماعي والاقتصاد بشكل سريع. وتستذكر الصحافية والناشطة الشابة فانيسا باسيل اللقاءات الأولى التي جمعت الشباب الذين انضووا تحت حملة «إسقاط النظام الطائفي»، حيث كانت الاجتماعات حماسية وروح الثورة حاضرة بين الشباب وهم يضعون الخطط وينظمون التظاهرات. وتؤكد باسيل أن الشباب كانوا كلهم منخرطين في الحركة الثورية ولم تكن هناك أجندات مخفية، كانوا يعبّرون عن آمالهم الحقيقية ويضعون كل طاقاتهم لإنجاح التظاهرات والتحركات، إلا أنّ المسيرة لم تُستكمل وسرعان ما أصبحت شوارع العاصمة بيروت خالية من صدى أصوات المتظاهرين. تقول باسيل إن هناك جهات خارجية، ومنها الاحزاب والتيارات استغلت هذه التظاهرات وجيّرتها لنفسها في حين كانت تتجاوز كل القوى السياسية. وفُقدت الحماسة لدى الشباب رويداً رويداً، ف «نامت الحملة»، على حدّ قول باسيل، على أمل أن تعود في يوم آخر بزخم أكبر. أما المسؤولية، فتحمّلها الناشطة الى الشباب الذين اعتقدوا أن التغيير يأتي بسرعة، في حين أنه يحتاج الى التوعية والتحضير، وكذلك الى المجتمع اللبناني الذي لم يصبح حاضراً بعد للانتفاضة ضد النظام القائم حالياً. مبادرات خجولة في زمن الثورات في هذا الوقت المستقطع بين الحملة التي أصبحت من الماضي والثورة التي مازال يرتقبها البعض، ترى باسيل أن الاعتماد هو على المبادرات الفردية والجماعية، تماماً كما يحصل اليوم عبر «أكاديمية حوار الأديان» على سبيل المثال التي تفسح المجال للشباب للتعرف الى شريكهم في الوطن فيدركوا النقاط المشتركة التي تساعدهم على التعايش من دون أفكار مسبقة. ويُضاف الى هذا الحوار العابر للطوائف مبادرة أخرى أتاحت الفرصة لعشرات الشباب اللبنانيين للمشاركة في مبادرة «تعوا نحكي» (لنتكلّم) ضمن مشروع «راي» (شباب مسؤول وناشط للتغيير الإيجابي) بهدف العمل على حل النزاعات بين أبناء الوطن الواحد وتعزيز الحوار مع الآخر. وكذلك أظهر أكثر من 4000 شاب وصبية لبنانيين، وعياً اجتماعياً لافتاً خلال هذا العام عبر المشاركة في الحملة الشبابية التي أطلقت عبر موقع «فايسبوك» لتوقيع قانون حماية المرأة من العنف الأسري. وتؤكد الناشطة زينة إبراهيم، وهي المؤسسة للحملة، أن هذه الحملة تحمل «صرخة شبابية» لحماية المرأة وحمايتها عبر القانون من أي عنف قد تتعرض له في أسرتها. حتى هذه المبادرات مازالت تنتظر الدعم والتمويل المستمرين من جهات داخلية وخارجية لتكون قادرة على التوجّه الى الشباب عبر مشاريع جديدة ليشعروا بالرغبة في الانخراط والمشاركة فيها. وفي وقت يتجه بعض الفئات الى تحفيز مثل هذه المبادرات، يبقى القسم الأكبر من الشباب اللبناني مشغولاً بقضايا أخرى وتحديداً المعيشية منها، فعام 2011 لم يحمل الى الشباب أي تحسينات جذرية على الصعيد الاقتصادي لا بل كان كارثياً الى حد أن نسبة البطالة تخطّت ال50% في صفوف الشباب المقبلين على سوق العمل، وفق تقرير صادر عن وزارة العمل اللبنانية. وفي هذا السياق، يشير الناشط الشاب محمود كريدي الى أن هناك حالاً من الاستياء العارم لدى الشباب اللبناني، وذلك ما يمكن ملاحظته من خلال انسحابهم من النقاشات حول أهم القضايا التي ترتبط ببلدهم، أكان ذلك من النواحي الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. ومن خلال عمله الميداني مع المنظمات الشبابية، يؤكد كريدي أن الاستسلام لا يمكن أن يقود الى الثورة أبداً، إنما بالعكس تماماً، اذ تُعتبر الهجرة الخيار الأقرب بالنسبة الى من يطارده شبح البطالة يومياً ويشعر أنه غير قادر على تأمين لقمة العيش. لذا يميل كريدي الى النظرة التشاؤمية تجاه الحال الشبابية في لبنان اليوم حيث يحاول الشباب كمواطنين العيش كلّ يوم بيومه من دون التخطيط للمستقبل حتى القريب، فيما تشغلهم أسعار المحروقات وأقساط الجامعات وغيرها من المشاكل اليومية. أما الأمل الوحيد الذي يُعبّر عنه كريدي، فهو في أن يكون للبنان شخص أشبه بمحمد البوعزيزي، ليس ليحرق نفسه بالضرورة، ولكن ليحفّز الرغبة بالتغيير لدى الشباب وينتشلهم من حال الاتسلام التي يعيشونها.