(إلى أحمد سعدات ورفاقه) غريبٌ كيف لا تثير قضية آلاف المظلومين ما ينبغي أن تثيره لدى الرأي العام العربي، خصوصاً لدى المثقفين والإعلاميين الذين ينظّرون في الحرية ليل نهار. كيف لا تكون قضية آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي (وبينهم أطفال ونساء و شيوخ صدرت بحقهم أحكام بمؤبدات يلزمها لتنقضي أعمار متتالية) همّاً يشغل المعنيين و«مانشيتاً» يومياً في الصحافة العربية وخبراً أول في الشاشات المبشرة بربيع عربي آتٍ لا محالة. هل يستوي ربيعٌ بلا فلسطين؟ لئن كان خريف الأنظمة الطويل لم يقدم شيئاً لفلسطين وشعبها فماذا عن ربيع الشعوب؟ ولئن كانت الشعوب غارقة في دمائها وأزماتها ومخاضها الدموي الطويل هو الآخر فماذا عن «قادة الرأي» من أدباء وفنانين وصحافيين وإعلاميين ومنظمات أهلية ومدنية؟ لماذا لا تثيرهم قضية بحجم حجز حرية آلاف البشر ممن لا جريرة لهم سوى حلمهم المشروع بالحرية والاستقلال؟ قد تكون مقاربة الموضوع الفلسطيني فقط من زاوية سياسية مسألة شائكة ومعقدة بفعل الالتباسات الكثيرة والانقاسامات الأكثر وبسبب استخدام فلسطين ورقة في بازارات الأنظمة والقوى المختلفة، لكن ماذا عن المنطلق الوطني والقومي؟ ماذا عن المنطلق الإنساني و الأخلاقي؟ لماذا تغيب فلسطين عن اهتمام معظم المذكورين أعلاه؟ أَلأنها لم تعد قضية رابحة في المنظور الشعبوي العام، ولا على «الموضة» الربيعية التي تقف عند حدود الوطن السليب؟ أسئلة كثيرة نطرحها بصيغة العارف، لكننا نظل نأمل بأن تحرك علاماتُ الاستفهام الكثيرة الضمائرَ الغارقة في سبات أهل الكهف، وأن تحرّض البعض على التحرك والقيام ولو بأضعف الآيمان لأجل آلاف المنتفضين داخل زنازينهم في مواجهة السجّان اللئيم شاهرين «الأمعاء الخاوية» بينما يتعالى شخير المُتخَمين على امتداد السجن العربي الكبير الذي سيظل أسير أزماته المتناسلة ما دامت فلسطين مصابة بسرطان احتلال خبيث لا يفتك بها وحدها بل يطاول الجسد العربي من الماء الى الماء. رُبَّ قائل إن المسؤولية الأساس تقع على عاتق السلطة الفلسطينية التي ينبغي عليها أن تضع قضية الأسرى على رأس جدول أعمالها و ألاّ توفر تحركاً على المستوى العالمي من دون أن تطرح فيه هذه القضية الإنسانية والأخلاقية خصوصاً وأن قادة تلك السلطة في تجوال دائم على عواصم الدنيا (نتمنى أن يمضي الرئيس محمود عباس حتى النهاية في عزمه احالة قضية الأسرى على مجلس الأمن الدولي) فيما يقبع بعض الأسرى في سجونهم منذ ما قبل «أوسلو». قولٌ وجيه لكنه لا يعفينا من مسؤولياتنا. فتقصير جهة ما لا يبرر تقصير سواها. لا يجوز لنا البتة أن نربط دائماً بين منسوب الدم الفسطيني ومنسوب اهتمامنا بفلسطين. كأننا نقول للفلسطينين عليكم أن تقدموا يومياً عشرات الشهداء والجرحى لتحتلوا الصفحات الأولى في الجرائد العربية ولتكونوا خبراً أول في الفضائيات المنتشية بالدماء. تلك معادلة بغيضة وبائسة حقاً تفضح الكثير من واقعنا المهترىء الرثّ، وتكشف زيف الكثير من الشعارات التي لا تُرفع لغير الاستهلاك السياسي والإعلامي في مجتمعات تنسى قضاياها الجوهرية وتخترع حروب «تدمير ذاتي» بين شمال وجنوب وشرق وغرب وأصولية و ليبرالية ومسلمين ومسيحيين وسنّة وشيعة وبدو وحضر الى سواها من الانشطارات السامة والتشظيات القاتلة التي لن تبقي لنا ربيعاً ولا أوطاناً. ماذا يمكننا أن نفعل؟ الكثير. ففي زمن الميديا المفتوحة نستطيع (مثلاً) تشكيل لوبيات ضغط كبرى على الهيئات الحقوقية والقانونية والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان في العالم وتحويل قضية الأسرى الى كرة ثلج تحاصر اسرائيل وتكشف حقيقة ممارساتها الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني. ينقصنا فقط النية والإرادة! ... وبعد، هل تنفع تحية منا نحن المحاصرين بالجهل والتخلف والعصبيات القاتلة الى من هم أكثر حريةً داخل سجونهم وزنازينهم؟