حالة إنسانية نادرة، بل قد لا نكون مبالغين إن وصفناها بالحالة الفريدة في عالم اليوم. ونعني اعتصامات أمهات وزوجات وبنات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية. مشهد تلفزيوني حزين ومؤثر، ولكنه أيضاً مشهد يشعّ بالقوة، والإرادة لنساء وجدن أنفسهن في محنة طويلة، أشد ما فيها أنها مفتوحة على الزمن. على الشاشات الفضائية تجمّعات لنساء في الضفة الغربية وقطاع غزة، يقفن في هذا المركز أو ذاك، يحملن صور المغيبين خلف الجدران، وبعض شعارات تطالب العالم بالالتفات إلى محنتهن ومحنة ذويهن المعتقلين، والمحرومين غالباً من الزيارات العائلية، ومن رؤية الأمهات والآباء والأبناء. هو مشهد لا يتكرر اليوم إلا في فلسطين، حيث الزمن توقّف عند لحظة الاحتلال، التي تبدو طويلة ومثقلة بمرارات صارت بالنسبة للشعوب الأخرى مجرّد ذكريات حزينة تخطر في البال قليلاً، لتخلي مكانها لصور العيش في ظلال الحرية. صور تلك الاعتصامات والوقفات النسائية تبدو من خلال شاشات الفضائيات العربية أبلغ من أي جدل سياسي يمكن أن يثيره سياسيون أو إعلاميون أكفياء. فالمشهد في جزئياته وتفاصيله يكاد أن يختصر مفردات ووقائع قضية شعب فلسطين، حيث أكثر من عشرة آلاف أسير يقبعون وراء جدران المعتقلات، وبعضهم نال أحكاماً بمؤبدات عديدة، تشبه حكماً بالسجن الأبدي. وهو أيضاً مشهد بالغ المأسوية لأطفال في أعوامهم الأولى، وكثر منهم لم تقع أعينهم الصغيرة على آبائهم الذين اختطفوا إلى المعتقلات قبل مولدهم وتفتّح أعينهم على الحياة. إنها بكل المعاني تراجيديا بالغة القسوة، باتت تعرض أمام العالم كله في زمن الصورة، حيث البشر تثقل أرواحهم قسوة الحروب الظالمة والسياسات العدوانية، وحيث الحرية منتهكة، ومصائر الناس مرتهنة وراء الجدران. الأسبوع الماضي كان الجو في الفضائيات العربية مشحوناً بمشاهد تلك الاعتصامات الحزينة ولكن المفعمة بالعزيمة: هنا نساء يعلنّ وقوفهن مع أبنائهن المضربين عن الطعام في المعتقلات الإسرائيلية، ويقلن بالصوت العالي أنهن أيضاً مضربات عن الطعام. فكيف «يمكن لأم أن تأكل حين لا يأكل إبنها» كما قالت أكثر من واحدة من أمهات المعتقلين؟