حائر هذه المرة من أين أبدأ، إنما يحق لي في البدء أن أسجل قناعتي التامة المطلقة في أن مسمى «عضو مجلس الشورى» أنيق وجذاب ومغر، بل يستحق فضيلة الجهاد من أجل الحصول على كرسيه أو الالتحاق والالتصاق به عن قرب أو بعد، حيرتي اليوم تتمثل في أني لا أعلم لمن أوجه كمية الأسئلة المبتدئة ب«هل»؟ لكن سأضعها هنا وهناك، مؤمناً بأنه يحق لي أن أتساءل ولو أسئلة بديهية تلقائية ينقلها كاتب ومواطن بسيط يقرأ كغيره، ويستوعب ما أمكن، ويستغرب أكثر وأكثر، وإن كانت الأسئلة عمياء، إلا أن الأجوبة وحدها ترى. مجلسنا الأعلى عدداً، والأجمل على صعيد السير الذاتية، والمفترض أن يكون الأشمل والأكمل والأمثل يمر بحال هبوط على مستوى الحضور والانصراف، وهذا ما تقوله الأخبار المعلنة بجرأة وغير القابلة للتكذيب، والأرقام وحدها خير من يكشف مشهد المجلس حين يغيب ثلث العدد الرسمي عن الإدلاء بالصوت، وقبلها يغيب عضو بارز 31 جلسة من أصل 42، وتتفرع من خلالها المبررات ما بين المبرر الغريب «انقطاع عن الحضور»، مروراً بالطلب المتكرر للإجازات الاضطرارية والمرضية، والتفرغ للمهمات الرسمية، وانتهاء بالمبرر الأخير الجريء «اعتذار». أسئلتي تبدأ ولا تنتهي من مثل: هل مجلس الشورى أقل من المأمول، أم أنه كرسي تشريفي أكثر من كونه تكليفياً؟ هل يقف عامل السن وتعدد المهام العامة والشخصية حاجزاً دون أناقة المجلس واكتمال توهجه وفعاليته؟ هل يكون الغياب حلاً عندما تصبح الأوراق المطروحة للتصويت بين الأعضاء قديمة أو غريبة ومضحكة؟ هل يستخدم الغياب كاعتراض على ضياع الوقت المنقضي في أروقة المجلس؟ أم لأن الإمكانات الفردية لم تعد تلك التي تسمح بالظهور والحديث والنقاش والمشاركة وإبداء الرأي؟ هل تُهمَل مسألة الحضور ويختلط الانصراف بالحال المزاجية لكون ذلك نابع من عدم استيعاب لوائح وأنظمة مجلس الشورى وبالتالي الجهل بماذا يعني «مجلس شورى»؟ هل غياب أعضاء مجلس الشورى والمرونة الشخصية الزائدة التي يعيشونها خلال دورتهم بالمجلس يعكس أن قضايانا ومواضيعنا وأطروحاتنا التي تقع بين أيديهم تخلص إلى قراءة واعية ومتأنية وتداخل وتمازج الخبرات من أجل محصلة لائقة؟ هل نصدق من يقول بأنه يذهب إلى مجلس الشورى عدد «ما» من كبار السن، ومتقاعدي الأجهزة الحكومية، ورجال الأعمال، وهواة الاتكال، والمولعين بالمسميات أكثر من تقديم المجهودات. هل نبرر الغياب بتوقيت الجلسات أم بضعف المحتوى؟ هل نرمي وزر الغياب أو الانصراف المبكر على الخطوط السعودية لأنها أخرت رحلتها بشكل مفاجئ؟ أم نحذف به على الطريق وزحامه؟ أم نشرك مع تأخر السائق أو الإرهاق والاكتفاء بمن حضر، الغبار والمطر ونضعها مسببات جوهرية لتعطيل عمل الشورى، وإيقاف الجلسات وشحذ ثلثي الأعضاء من أجل الحضور لإكمال النصاب الذي يضع المجلس نظامياً وفق لائحته. كان المجتمع يعلق الآمال على السادة أعضاء المجلس، ويثق في أنهم صوت الحضور والظهور لا أرقام الغياب والتثاؤب، كان ولا يزال، إنما بنسب تتضاءل مع كل رقم غياب يظهر على سطح الشورى، وربما أن الاستيعاب - لتأثير التلقين - الذي حفظناه صغاراً من خلال جملة «كل غائب عذره معه» لم يسمح بعد بأن نضع للغياب مسطرة عقاب حتى لا يشوه الكسالى مجهودات المجتهدين، والمتحمسين من أعضاء المجلس وهم كثر، لكن حين تتناثر البقع الملونة من فئة غياب وانصراف وإهمال على ثوب الشورى الأبيض فذلك سالب للثقة بالتدرج، ومشكك مستتر في التسلسل الهرمي لعضو مجلس الشورى. [email protected] @akalalakl