نجما الشباك اللذان يتربعان على قلوب مصر وعقولها وميادينها حالياً يقفان على طرفي نقيض، ويُلخِّصان حال مصر بعد 14 شهراً من هبوب رياح الربيع عليها. فريقان يتناحران افتراضياً وتلفزيونياً وفعلياً، يستحوذان على ما تبقى لدى جموع المصريين من جهد على التفكير ومرارة لم تنفجر بعد. أنصار المرشح غير المحتمل للرئاسة المحامي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل مازالوا يسيطرون على ميدان التحرير، بعدما بثوا الرعب في قلوب الباعة الجائلين فلم يبق منهم سوى حفنة من باعة العصائر وسندويتشات الفلافل، وفرضوا سطوتهم على «الصينية» الشهيرة وطبقوا «شرع الله» بطريقة مبدئية على سكان خيامها، فألقوا القبض على من اعتبروه يمارس عملاً غير أخلاقي، واستبعدوا من رأوه مخالفاً ل «لازم حازم». لزوم حازم في انتخابات الرئاسة، وهو ما بات سراباً في ضوء جنسية والدته الأميركية، ألقى بظلاله على نجم الشباك المنافس الفنان الكوميدي عادل إمام، الذي تجمع أنصاره هو الآخر أول من أمس، ولكن أمام محكمة شمال الجيزة، حيث احتشد من احتشد من الفنانين وأنصار حرية التعبير والمتخوفين من تحليق «طيور الظلام» في سماء مصر. سماء مصر التي تظلل أنصار المرشح المستبعَد الذين شكلوا مجموعات سلفية أطلقت على نفسها «حازمون»، وكذلك على أنصار الفنان الكوميدي الملقب شعبياً ب «الزعيم»، شهدت تلخيصاً لحال مصر الراهن. جبهة تعتبر نفسها رافعةَ راية الإسلام ومُعزّةً لكلمته، وكلَّ ما عداها كارهاً للدين ومحارباً للشرع، وجبهة فوجئت بغلبة التيار المتشدد ومازالت تتحسس طريقها في مواجهته. ولأن مواجهة الفكر بالفكر تستغرق عقوداً وربما قروناً، لجأ أنصار الجبهتين إلى الطرق الأسهل والأسرع: لافتات رفعت في ميدان التحرير تسخر من عادل إمام وتعكس فرحة عارمة بالحكم الصادر عليه بتهمة «إزدراء الإسلام» من خلال أفلامه، والتي يرى البعض أنه سخر فيها من مظهر الرجال والنساء الأصوليين. وبين تلك اللافتات لافتة ضخمة لأنصار أبو إسماعيل تُصوِّر إمام في فيلم «الهلفوت» ويسأله مذيع: «بنسال الهلفوت بعد تأييد المحكمة لحكم الحبس ثلاثة أشهر، تحب تقول إيه؟»، فيرد إمام (في اللافتة): «والله ما كان قصدي! ده أنا حتى عبيط! حتى بص عليّا!». وهتف آخرون والفرحة تعتري وجوههم: «إسلامية إسلامية، مصر هتفضل إسلامية». لكن الفريق المضاد رأى أن «مصر هتفضل مدنية»، وتراوحت الشعارات والهتافات بين «لا لطيور الظلام» و «لا لمحاكم التفتيش»، وهي الهتافات التي تعكس الصراع المحتدم بين الجبهتين وحال الضبابية السياسية الشديدة التي تعوق الرؤية في مصر. البعض رأى أن سبب الحكم بالسجن على عادل إمام هو أن الشخصيات المتطرفة التي جسدها في الكثير من أفلامه خرجت من حيز السينما إلى أرض الواقع، والبعض الآخر رأى في الحكم نفسه إعلاء لكلمة حق طال انتظارها. لكن الانتظار الأكبر حالياً هو من نصيب كل من يعمل بالفن أو الإعلام أو يميل إلى التعبير عن الرأي، إذ تنتظر الغالبية مصير حرية التعبير والإبداع في ضوء اعتبار دور سينمائي ساخر يجسد رجلاً متشدداً إهانة لديانة سماوية، والحكم بحبس من قام بالدور «إعلاء لكلمة الله». ولأن الله تعالى أراد أن يخفف من هموم المصريين، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، أطلق البعض العنان لروح الدعابة الافتراضية بعيداً من احتكاكات الميادين وتناحرات الشوراع بين الجبهتين، فانتشر خبر عاجل افتراضي ب «الحكم على الفنان الراحل محمود مرسي بالسجن خمس سنوات بتهمة تعذيب المسلمين الأوائل في فيلم فجر الإسلام»، وطالب آخرون بعمل مسح شامل لكل الأعمال الفنية وتقديم كل من لعب دور حرامي أو تقمص شخصية قاتل أو أبدع في دور مجرم إلى المحاكمة، بهدف تطهير البلاد، لا سيما في ظل تعثر محاكمات الفاسدين. المهم هو أن النجمين الحاليين يتنازعان اهتمامات برامج «توك شو» الليلية وتجمعات الأنصار الصباحية، ويسيطران تماماً على الأثير العنكبوتي انتظاراً ليقول الجمهور كلمته، ويرجح كفة إحدى الجبهتين أو أحد النجمين، سواء كان «زعيماً» أو «حازماً».