الكشف عن مخططات نيمار المستقبلية    القيادة تهنئ ملك مملكة بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    الرياض تستضيف النسخة الرابعة لمنتدى مبادرة السعودية الخضراء    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الخرائط الذهنية    «خدعة» العملاء!    جرائم بلا دماء !    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    علاقات حسن الجوار    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    اختتام أعمال المؤتمر السنوي ال11 لمحامي كرة القدم AIAF بالرياض    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    لماذا فاز ترمب؟    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«احتفالية الشارع السوري» والمعاني المحرّرة
نشر في الحياة يوم 18 - 03 - 2012

انطلقت «احتفالية الشارع السوري» الخميس الماضي، ومن المقرر أن تستمر حتى 22 من الشهر الجاري. تنظّم الاحتفالية، في مناسبة مرور سنة على انطلاقة الثورة السورية، «حركة ميثاق سورية» التي تضم «مثقفين من الشباب السوري الوطني، في سورية وخارجها، يسعون إلى إحلال السلم في المجتمع السوري والمساهمة في تقدّمه»، كما يعرّف الأعضاء بأنفسهم.
لا مكان وزمان محددين لهذه الاحتفالية التي يرسل منظموها بيانات صحافية تفيد بأنها ستكون «موزّعة على أماكن وساحات عدة في سورية وفي عواصم عالمية».
ولعل هذا ما يجعلها سابقة ثقافية وسياسية. نشاطات فنية، تعبير ملوّن تعمَّم لوجستياته قبل وقت قصير من إتيانه. الحضور والمشاركة في تلك النشاطات تحدٍّ في ذاته، ناهيك بتغطيتها إعلامياً، اللهم إلا بِعون الناشطين أنفسهم الذين، لولاهم، لما عرفنا عُشر ما يرتكب من قصف واعتقالات وإعدام جماعي واغتصاب وتهجير. لا بديهيات في الثورة السورية، كل شيء يعاد اختراعه. كما أسلحة «الجيش الحر» المصنّعة يدوياً، كذلك الثقافة إذ تتمنطق بلثام وتنزل إلى الشارع.
«لن ننشر برنامج العروض الآن، خوفاً من صواريخ قد تسقط لتمنع عرض فيلم في ساحة داخل إدلب، أو من رصاص قد يخترق قماش لوحة رُسم عليها حلم طفل سوري»، كتب المنظمون في بيانات وزّعت على وسائل الإعلام. لا شيء عادياً في هذه الدعوة. وفي الوقت ذاته، لم تستغربها غالبية الإعلاميين ممن تلقوها، والذين إذا ما تأمّل أحدهم في «تكيّفه» المهني مع مضمونها فلا بد أن عقله سيتجمد لوهلة. دعوة مؤكدة، ومفتوحة على المجهول. دعوة عامة، وسرية. الاحتفالية المدنية بسنوية الثورة لها شخصية صاحبة العيد، والإصرار مدهش.
أفلام على جدران المباني. مسرحيات. أغان وأفلام توزع على أقراص مدمجة. مكبّرات للصوت في الأحياء، لا صاحب لها، كل أهل الحي أصحابها، وتبث أغاني التظاهرات وهتافاتها. معارض لتشكيليين سوريين رسموا الثورة، تقام في أكثر من مدينة خارج سورية. معارض «رسوم أطفال الحرية» ممن هُجّروا واختبروا مأساة اللجوء في برعم العمر. وفي الاحتفالية المزيد. ثمة نشاطات يحلو للمنظمين تسميتها «البديلة». أفكار تفضي، لفرط بساطتها وقوتها، إلى ابتسامة هي توأم الدمعة. «مبادرات تؤكد سلمية الثورة وأهميتها، وإبراز الوجه الجميل لتضحيات الشعب السوري خلال سنة من محاولاته كسر حواجز الخوف والظلم والصمت»، يفيد المنظمون. هو الكسر الذي يظهر على هيئة «لوغو» متكرر في سلسلة ملصقات تحمل شعارات «فن وحرية»، «المساواة»، «حق الحياة»، وغيرها، ويُتوقع أن تنتشر في المدن. يشبه «اللوغو» لوح زجاج مهشّماً، إلا أن القطع كلها ثابتة في أمكنتها، متكئ بعضها على بعض. كأن حجراً أصاب الزجاج، أو رصاصة. لكن الزجاج الافتراضي، المعروف بهشاشته، يصمد كأنه فولاذ. خوف تفتّت دون القلوب.
الفعاليات «البديلة» إذاً. فلنتخيل معاً: لوحات أسماء الشوارع مطليّة على عجل برموز «حرية»، «ديموقراطية»، «دولة مدنية»... مغلّفات تُرسل بالبريد العادي إلى تجار يُنتقون عشوائياً من دليل الصفحات الصفراء، وفيها رسائل تدعو التجار إلى المشاركة في الثورة والتوقف عن دعم النظام... أبنية بكاملها مكفّنة بالأبيض، فجأة... دُمى تُرمى في الشوارع دلالة بحثها عن أصحابها من الأطفال الشهداء واشتياقها إليهم... «كشّاشو الحمام» يشاركون أيضاً، سيطيّرون أسراب حمائمهم البيضاء بالتزامن، في كل المناطق، خصوصاً من قلعة دمشق... فليتخيل واحدنا أنه مارّ في شارع بمدينة سورية، القلق الذي نخمّنه والوجوم يعبق بهما الهواء... في مروره، يصادف أياً من تلك المظاهر. لا بد أن وقعها سيكون مذهلاً، أين منه المسرح في أقصاه والسينما ثلاثية الأبعاد والرقص على حبل عالٍ بلا شبكة أمان.
تحركات و«خطط» لا ادعاء فيها، لكنها مدججة برمزية تحيلها، في وطن مُحاصرٌ شعبه بدبابات حاكِمِه - ابن جلدته، أشبه بالاستثناء المديد. الصدق والابتكار حليفان هنا. لا مغالاة رومانسية، ولا إرهاق للكليشيه. البساطة تتفوق على نفسها، ومع ذلك، فهي الخطر المحدق بمتبنّيها. كل نَفَس صار مجازفة في سورية الآن. كل ساعي بريد وكشّاش حمام، بطل.
أيقونات الأحداث التي زخرت بها سنة ليست فقط ناشطين، ومعارضين تاريخيين وجدداً، ومتظاهرين، وعسكريين منشقّين، وصحافيين محترفين «متسللين»، والأطفال شعراء الجدران في درعا، ولاجئين، ووجوهاً يتبدّى تعبها من خلف أقنعتها الأليفة على شاشات التلفزة، والدم السوري السائل أنهراً.
في سورية، في سنة، ارتقت السياسة إلى الفنون. وناب الثقافة، بكل أشكالها، ما ناب الثوار والمدنيين. اقتلعت حنجرة «بلبل الثورة» إبراهيم القاشوش. قتل المصوّر «الهاوي» رامي السيد. كُسّرت عظام الرسام علي فرزات. نُفي المسرحيان الأخوان ملص. تحول لاعب كرة القدم عبد الباسط الساروت مغنياً مطلوباً رأسه، والممثلة فدوى سليمان مناضلة «هاربة من العدالة».
تسلّمت «ياسمين»، باسمها المستعار وباسم «لجان التنسيق المحلية»، جائزة «المواطن الإلكتروني» العالمية. بلدة كفرنبل صارت عاصمة شعارات، مؤلمة خفة ظلها. وبات لابن القرية الحدودية، محمد أحمد عبد الوهاب، اسم علم إذ صاح: «أنا إنسان، ماني حيوان!».
يملك السوريون كل أسباب «احتفالية الشارع السوري» بثورتهم التي، على عكس أطفالهم وحريتهم، ليس من يتمنى أن تبلغ عامها الثاني.
احتفالية... شارع... سوري... ثلاث كلمات مفرحة، إذ تحرّرت، في سنة، معانيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.