في واحد من النشاطات الأكثر اهمية التي تشكّل تميّز مهرجان افلام مجلس التعاون الخليجي المقام هذه الأيام في الدوحة في قطر، سجال ومداخلات من حول الدور الذي يمكن ان تلعبه المدارس السينمائية في المستقبل المنشود لأية سينما خليجية تريد ان تنمو وتزدهر. في المقام الأول، لا بد من الثناء على هذه المبادرة التي تربط مستقبل الفن السابع في بلدان بالكاد كان فيها تاريخ حقيقي لهذا الفن، بضرورات علمية وتعليمية لا شك في ان الندوة المخصصة لذلك ستركّز عليها. موضوعنا هنا ليس هذه الندوة بالطبع وليس ما ستصل اليه من نتائج. موضوعنا هنا يقترب مواربة من هذا الموضوع ليطرح سؤالاً للمناسبة: اذا كانت السينما التي بالكاد تتجسد في دزينة من الأفلام الطويلة وأكثر من هذا قليلاً من الأفلام القصيرة في هذه البلدان، ويعرف انتاجها ضموراً خطيراً في بقية البلدان العربية في شكل عام، تحظى بمثل هذا الاهتمام وهي التي بالكاد تصل الى جمهور عربي، أفلا يستحق «أخوها» التلفزيون لفتة او لفتات من هذا النوع؟ وطبعاً نحن لسنا هنا في حاجة الى تكرار الأسطوانة المعهودة من حول وجود التلفزيون، محطات ارضية وفضائيات في الحياة العربية ومن حول واقع ان مشاهدة الشاشات الصغيرة باتت خبزاً يومياً لعشرات الملايين من المواطنين العرب في زحام يفوق ايّ تصوّر، ومع هذا يحار المرء حين يجد نفسه متسائلاً: من اين يأتي هؤلاء الناس الذين يقدمون للملايين هذا الغذاء اليومي بغثّه وسمينه؟ من علّمهم؟ من درّبهم؟ كيف دخلوا عالم التلفزة وبأية افكار او قيم وتقنيات او فنون تزودوا؟ ونحن هنا في الحقيقة لا نتحدث عن صحافيي التلفزيون الذين ربما يكونون أتوا من معاهد الصحافة او من التجارب العملية نفسها، ولا نتحدث طبعاً عن الضيوف او الممثلين... وربما ليس تماماً عن التقنيين وما شابههم، بل نتحدث عن اهل التلفزة بصورة عامة كأناس امتهنوا فنون هذه التلفزة وفنون اتخاذ القرار في عوالمها. نتحدث عن التلفزيونيين بوصفهم اصحاب عالم باتت له قضاياه وخصوصياته التي تربط الفكر بالتقنية، والفن بالصناعة، والأيديولوجيا بالتجارة وما الى ذلك... صحيح ان القائمين على هذه الأمور يؤدون اعمالهم بأشكال لا غبار عليها وربما تتفاوت احياناً في مستوياتها... لكنها في شكل عام تفي بالغرض منها. غير ان الواقع يقول لنا ان معظمهم اتى من آفاق وفنون سابقة الوجود على ازدهار التلفزة وكان في امكانها ان تخرّج اهل تلفزيون جيّدين. وهذا امر حسن طبعاً... ومع هذا نعتقد ان الوقت قد حان للاهتمام بإقامة معاهد لتخريج اجيال جديدة من اهل التلفزيون تضاف الى القليل والمتواضع – نسبياً – الموجود حالياً. فنحن نعرف جميعاً ان الإعلام المصوّر يتوسع حضوراً بشكل مدهش بحيث ان «الفهلوة» لم تعد كافية لتكون مواكبة لهذا التوسع فيما نعرف ان المؤسسات القليلة المعنية بهذا ليست كافية بأي حال. المطلوب الآن اخذ العبرة من السينما والاهتمام الجدي والجماعي ب «دراسة التلفزيون» علمياً ونظرياً وعملياً وتاريخياً... في انتظار توسّع رقعة حضوره وبالتالي احتياجه اجيالاً متتالية تأتي من علم التلفزة لا من ايّ من العلوم الأخرى.