منذ احسّت السينما خطورة التلفزيون عليها، ثم اعترفت به، راح شيء من التبادل الضمني ثم العلني ينمو في العلاقة بينهما. وقد اتخذ هذا التبادل أشكالاً متنوعة ليس المكان كافياً هنا لتعدادها، ولكن يمكن التوقّف منها مثلاً عند واقع ان جزءاً كبيراً من العروض التلفزيونية يتألف من افلام سينمائية بحيث بات من المنطقي ان يقال ان التلفزيون صار ذاكرة السينما بلا منازع. كذلك يمكن التوقف عند «ظاهرة» بدأت تتفاقم منذ سنوات وهي ظاهرة استعانة منتجي الأفلام بالمسلسلات التلفزيونية وتحويل حلقات منها الى افلام سينمائية معظمها حقّق نجاحات ضخمة. ولنلاحظ هنا ان هذه الممارسة – المقرّبة في نهاية الأمر بين الشاشتين الى حد يقترب من الاندماج احياناً، لم تصل بعد الى العالم الفضائي/السينمائي العربي، مع اننا نعرف ان هذا الفضاء يحتاج الى مواضيع وديناميات من هذا النوع. بل لعلّ في إمكاننا في هذا السياق ايضاً ان نأخذ على السينما عدم اهتمامها الجدي بأخيها اللدود وفي شكل ايجابي بالتحديد. في الشكل السلبي، كانت هناك بالتأكيد في سنوات غابرة أعمال سينمائية تسخر من التلفزيون وتستصغر شأنه، وكان ذلك طبعاً يوم لم تكن السينما قد اكتشفت بعد فضائل التقارب ثم التآخي... وربما ايضاً لم يكن التلفزيون قد كشف بعد عن ان له تاريخاً وحياة ودراما تشبه الحياة وعن ان له هو الآخر حكاياته البطولية والمحزنة والمضحكة... بل عن ان ارتباطه بحياة الناس وبذاكرتهم بات يفوق ارتباط السينما بهما. وربما لا نكون مغالين هنا إن نحن اشرنا الى ان ذاكرة كثر من الناس ترتبط منذ ما لا يقلّ عن ثلث قرن – كي لا نتحدث سوى عن منطقتنا هذه من العالم – بهذا الوسيط المدهش. وفي المقابل، يصعب القول ان السينما لدينا اهتمت بهذا. بل يمكن القول ان اياً من فنون او آداب التعبير اعطى التلفزيون عندنا ولو قبساً من الاهتمام الضروري، حتى وإن كنا نعرف ان الإعلامي زافين يشتغل منذ سنوات على كتاب ضخم عن تاريخ التلفزيون اللبناني وعلاقته بالمجتمع. والحقيقة ان من يشاهد مسودات هذا المشروع، يدرك على الفور كم ان تاريخ التلفزة مظلوم عندنا، بخاصة ان صفحات الكتاب زاخرة بألف فكرة وفكرة لا تنفع فقط لتصبح افلاماً او مسلسلات بل مشروعاً تاريخياً كبيراً. ان هناك طبعاً كتباً من هنا وأخرى من هناك، غير ان المحصّلة لا تزال ضئيلة جداً، والحال كذلك في المشهد التلفزيوني نفسه حيث ان هذا الوسيط الذي يتحدث عن كل شيء ويصنع ذهنيات الناس من حول كل شيء لا يزال مقصّراً الى حد كبير في الحديث عن نفسه والتاريخ لمسيرته. لكن السينما لا تزال اكثر تقصيراً في الاهتمام به وبتاريخه... ونركز على السينما هنا لأننا نعرف ان السينما هي وحدها القادرة على منح التلفزيون مرتبة الشرف في تاريخ الفنون... وهي مرتبة بات يستحقها على رغم كل شيء.