من المعلوم يقيناً أن القلب من أهم أجزاء جسم الإنسان، وفي حال تعطلت هذه المنطقة الرئيسة، فمصير بقية الأعضاء الموت والضعف والفساد، بحكم أن القلب هو المركز الأساس لكل الأعضاء والأجزاء الجسمية المتفرعة. وقياساً على ذلك نستطيع أن نقول: إن القلب الحقيقي للإسلام هو «الأخلاق»، وهو القانون الذي يضبط مسار حياة الإنسان مع ذاته، وأخيه الإنسان، والمخلوقات الكونية في مختلف النواحي الحياتية. علم الأخلاق هو «علم المعاملة»، «العلم العملي باصطلاح أرسطو». ويعرف الرازي كذلك الخلق: «الخلق ملكة نفسية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة». القاعدة النبوية تقول: «إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق»، رواه أحمد، وهذا الحديث فيه اعتراف صريح، وهو أن الإسلام جاء مكملاً لمكارم الأخلاق السابقة، وفي الوقت نفسه يدعو للاستفادة من الحضارات والأديان والثقافات الأخرى التي سبقتنا في جوانب أخلاقية وإنسانية، لكن من يتأمل واقع بعض المسلمين يجد أنهم يتجاوزون حدود الآخرين ويخطئون في حقهم، ويكون ذلك باسم الدين، وهذا ينم عن سوء فهم للنصوص الشرعية، ويقول ابن القيم: «الأخلاق هي الدين كله، فمن زاد عليك في الأخلاق فقد زاد عليك في الدين». إننا نحتاج إلى ثورة من جديد في مفاهيم الأخلاق في ظل هذه الظروف والمتغيرات التي أصبحت فيها القيمة المادية تطغى على قيمة الإنسان نفسه! بحكم سيادة النزعة النفعية التي أصبح الكثير يتنفسها، ويمارس فلسفتها القبيحة بشكل بشع، وذلك لتأكيد قول هوبز: «الإنسان ذئب للإنسان»، وهذا يستدعي إنشاء إنسان جديد. يقول أحد القضاة الإنكليز: «من دون قانون لا يستقر مجتمع، ومن دون أخلاق لا يسود قانون، ومن دون إيمان لا تسود أخلاق». حينما أتأمل واقع الإنسان العربي، مقارنة مع غيره «الإنسان الأوروبي والأميركي، أجد أنه أكثر من غيره في عملية كسر القوانين السماوية والأرضية...! على رغم أنه نبت في مجتمع من أكثر المجتمعات البشرية شحناً للعقول والوجدان ومشاعر الرهبة والخوف من الموت والجحيم...! وهذا التناقض يعبر عن الازدواجية في الفكر والسلوك في العقل العربي». إن مشكلة الإنسان العربي هي في أساسها مجموعة من المشكلات الثقافية والفكرية والتربوية المعقدة والقديمة، والواقع الذي يعيشه الإنسان العربي والانهزامات على جميع الأصعدة والمجالات ما هو إلا نتيجة لذلك! لا شك أن الإنسان الذي يراجع ذاته، ويحاول أن يجعل باطنه أكثر جمالاً من ظاهرة، أو على الأقل مساوياً لأفعاله الظاهرة، سيكون أكثر توازناً نفسياً، مقارنة مع من يعكس ذلك، هناك مقولة جميلة: «الضمير قاضٍ يحب الخير، ولكنه ليس معصوماً من الخطأ». إذا كانت الحياة خارج نطاق الأخلاق والقيم والرقي السلوكي، تكون حياة الإنسان لا قيمة لها، لأنه بذلك يتجرد من إنسانيته السامية، ودوره في الأرض الذي خلق من أجله! الإنسان قيمته تكمن في امتثاله للقيم الأخلاقية التي تتغذى من الضمير الحي والواعي، يجب تجديد القيم الأخلاقية وتفعيلها على أرض الواقع بالشكل الذي يحب، يقول سارتر «نظام القيم لمجتمع ما يعكس بنيته». حينما يكون دور المثقف والمسؤول في الجانب الإنساني الأخلاقي ضعيفاً، فهو لن يستطيع أن يرسم الأفكار في أذهان الناس، ولن يستطيع أن يوسع دائرة الوعي، بحكم أن نسبة الثقة نحوه منخفضة. يبقى السؤال الذي ينبغي أن يطرح: متى سنرى جيلاً يكون متفتحاً فكرياً ومحافظاً سلوكياً، يجمع بين التفتح الفكري والمحافظة السلوكية الراقية. والأخلاق هي المدخل الرئيس لحل مشكلاتنا المتناثرة بشكل معقد. * كاتب سعودي. [email protected] @alzghaibi