ببطء شديد، انطلقت في تونس يوم الإثنين 23 حزيران (يونيو) 2014 عملية تسجيل الناخبين للانتخابات المقبلة في كل أنحاء البلاد لتتواصل إلى 22 تموز (يوليو) الجاري تحت شعار «نحب تونس مالا نقيد»، من أجل تسجيل حوالى 4 ملايين ناخب لم يحصل تسجيلهم في الانتخابات التي تلت ثورة 2011. ولكنّ عدد المسجّلين لم يتجاوز حتى الآن 100 ألف، وهو رقم ضئيل بالنّظر إلى أهمية الحدث السياسي الذي تنتظره البلاد لتقرير مصير جديد يخرجها ربّما من الأزمات العديدة التي تمرّ بها. غالبية التقارير التي أعدتها منظمات متخصصة في مراقبة العملية الانتخابية منذ انطلاقها، أكدت عزوف فئة الشباب عن التسجيل في الانتخابات مقابل إقبال ضعيف للكهول والشيوخ. وقال رئيس منظمة «عتيد» معز البوراوي ل «الحياة»، إن هذا العزوف عن التسجيل في الانتخابات يعود لعدم الإعداد الجيد لعملية التسجيل من جانب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في ما يتعلق بتعزيز الوعي والتقرّب من المواطن. وقال النائب في المجلس التأسيسي ورئيس حزب التيار الشعبي التقدمي ل «الحياة»، إن الإقبال الضعيف على التسجيل للانتخابات خصوصاً بين أوساط الشباب مفهوم ويعود إلى حالة الإحباط التي تمر بها هذه الفئة التي أشعلت فتيل الثورة على أمل أن تتغير أوضاع البلاد إلى الأفضل. لكن على رغم مرور ثلاث سنوات، فإن التجاذبات السياسية ساهمت في تأزيم الأوضاع الاقتصادية إلى جانب خلق أزمة أمنية خانقة وصلت إلى حد حدوث عمليات إرهابية أثبتت فشل الحكومات المتعاقبة في إدارة شؤون البلاد وفي حماية المواطنين. «الحياة» التقت عدداً من الشبان التونسيين الذين أكدت غالبيتهم عدم انخراطها في الدعوة للمشاركة في الانتخابات، كما عبروا عن استهزائهم بالانتخابات وما ستفرزه من نتائج سلّموا بأنها ستكون مخيبة للآمال. وقال أحمد نابلي (صاحب محل تجاري) إنّه لن يشارك في الانتخابات لأنه لا يثق بالسياسيين، خصوصا أنهم دأبوا طوال الفترة السابقة على تصدر المنابر الإعلامية للتراشق بالاتهامات وتخوين بعضهم على خلفية صراعات إيديولوجية، في حين يعاني الشعب من الفقر وغلاء أسعار المواد الأساسية وانعدام الأمن. وأضاف أحمد: «لن أقدم صوتي لسياسيين عديمي الكفاءة يتسابقون على الكراسي لا على خدمة البلاد». هندة الشناوي (30 سنة، ناشطة حقوقية وصحافية) قالت إنها ستعتمد خلال الانتخابات المقبلة «الورقة البيضاء» بنيّة المشاركة وتسجيل موقف ولكن من دون انتخاب أي طرف سياسي. والهدف من هذا الإجراء بحسب الشناوي هو تقليص نسب حصول بعض الأطراف السياسية على نسب تصويت عالية، من دون الانخراط في اختيار طرف دون آخر. وعن أسباب هذا الأسلوب قالت إن نتائج الانتخابات شبه معروفة سلفاً إذ ينحصر السباق بين حزبين سياسيين كبيرين هما «حركة النهضة « و «حزب نداء تونس». ورأت أن اختيار أي طرف آخر سيكون غير مجد، خصوصاً مع فشل بقية الأحزاب في استقطاب الطاقات الشابة والفاعلة. «أنا كشابة لا أساند أي طرف، فكل الأطراف لا تملك ثقتي كناخبة ولا أملك اليوم سوى التأثير في نسب الانتخابات عبر تصويت أبيض». عزوف الناخبين وخاصة الشباب منهم عن التسجيل في الانتخابات ستكون له انعكاسات سلبية على نتائج الانتخابات وفق غالبية المحللين السياسيين في تونس. ويرى النائب في المجلس التأسيسي محمود البارودي أن عدم اهتمام التونسيين بالانتخابات سينتج عنه تكرار نتائج الانتخابات السابقة لأن المسجلين في الانتخابات السابقة سينتخبون آلياً أي بدون إعادة تسجيل. وبالتالي «فإن الحزب المستفيد من هذا العزوف هو حزب حركة النهضة لأنه الحزب الوحيد الذي حافظ على انضباط قاعدته الشعبية ومناصريه بفضل خطابه الديني المتكرر، في حين خسرت بقية الأحزاب مصداقية خطاباتها الواعدة ببرامج اقتصادية وسياسية وأمنية لإنقاذ البلاد. وقد أطلق عدد من الناشطين على الإنترنت قبل أيام قليلة حملة «لن أنتخب» لمقاطعة الانتخابات، دعوا من خلالها التونسيين إلى عدم منح أصواتهم لسياسيين «باعوا البلاد لجهات أجنبية وساهموا في تعجيزها اقتصادياً وأمنياً». ومعلوم أن الانتخابات التشريعية في تونس ستجرى في 26 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، في حين ستقام الانتخابات الرئاسية في 23 تشرين الثاني (نوفمبر).