تونس، ا ف ب، تختتم مساء الجمعة الحملة الانتخابية لاقتراع تاريخي نتائجه غير معروفة سلفا للمرة الاولى، سيختار فيه الناخبون مجلسا تأسيسيا مهمته الاساسية وضع دستور جديد "للجمهورية الثانية" في تاريخ تونس المستقلة وسط توقعات بان يحقق حزب النهضة افضل نتيجة فيه. وتنظم مختلف القوائم الحزبية والمستقلة آخر اجتماعاتها الجماهيرية وعملياتها الدعائية تمهيدا للموعد الذي سيشكل فرزاً تاريخياً للقوى السياسية في تونس ووزنها الحقيقي. وفي بلد اعتاد منذ استقلاله في 1956 على انتخابات معروفة النتائج سلفا يرى بعض المراقبين في انتخابات المجلس التاسيسي الاحد "قفزة في المجهول" في حين يعتبرها آخرون "فصلا بين عهدي" الاستبداد والديموقراطية. ويصعب تقدير نسبة المشاركة في الانتخابات ومن سيختاره التونسيون من اكثر من 11 الف مترشح في اكثر من 1500 قائمة انتخابية، ومعرفة رد فعل الناخب التونسي بعد تسعة اشهر من الثورة ازاء مشهد سياسي حدثت فيه تغييرات كبيرة منذ الاطاحة بنظام بن علي في 14 كانون الثاني(يناير) 2011. وحث رئيس الوزراء التونسي الباجي قائد السبسي في كلمة عبر التلفزيون مواطنيه على الاقبال على التصويت "بلا خوف" مؤكدا ان كل الاحتياطات اتخذت من اجل ان يجري الاقتراع في افضل الظروف. ولئن كان الاقتراع مهما بالدرجة الاولى للتونسيين الذين لم يعرفوا منذ 55 عاما سوى رئيسين، فان اهميته ليست خافية ايضا بالنسبة لما اصبح يعرف ب "الربيع العربي". ونجاح الانتخابات في تونس ممهد الربيع العربي من فشلها سيشكل اشارة حاسمة لباقي الشعوب العربية التي ثارت على الاستبداد بعد نجاح الثورة التونسية. وبعد تسعة اشهر من فرار زين العابدين بن علي ومرحلة انتقالية اولى تخللتها بعض الاضطرابات التي لم تمس من استمرارية الدولة، دعي اكثر من سبعة ملايين ناخب تونسي لاختيار 217 عضوا في مجلس وطني تأسيسي. ويفترض ان يسمح انتخابهم الى عودة الشرعية لمؤسسات الدولة. وتتمثل مهمة هؤلاء في وضع دستور جديد يحل محل دستور 1959 وتولي التشريع وتقرير السلطات التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية الثانية التي تلي الانتخابات ولحين تنظيم انتخابات جديدة في ضوء الدستور الجديد. وبدات عملية التصويت الخميس للتونسيين المقيمين بالخارج الذين سيمثلهم 18 عضوا في المجلس التاسيسي. وتجري الانتخابات بنظام اللوائح النسبية "مع اعتبار افضل البقايا (لجهة عدد الاصوات)" وهو نظام اختير بهدف توفير فرص افضل للتشكيلات السياسية الصغيرة ولقطع الطريق امام هيمنة حزب واحد على البلاد مجددا. ولم يكن احد يتصور في 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 ان اقدام الشاب محمد البوعزيزي البائع المتجول في مدينة سيدي بوزيد المهمشة في الوسط الغربي التونسي، سيؤدي الى ثورة شعبية لا سابق لها تطيح بنظام بن علي الحديدي. وكان بن علي حليف الغرب القلق من تنامي التطرف الاسلامي والواقع تحت تاثير صدمة اعتدءات 11 ايلول(سبتمبر) 2001، نجح في فرض نفسه كحاجز امام تنامي الاسلاميين وضامن "للمعجزة الاقتصادية" التونسية. بيد ان القدر شاء ان يظهر البؤس الاجتماعي الذي اخفاه نظام بن علي جليا بعد الثورة. كما ان الاسلاميين الذين قمعهم اصبحوا اليوم القوة الكبرى والافضل تنظيماً بحسب معظم المراقبين. وحزب النهضة الذي حصل على ترخيص العمل القانوني بعد الثورة، اعاد تنظيم صفوفه سريعاً معتمداً على إمكانيات مادية هامة يؤكد أنها تعود لكثرة أنصاره وسط إتهامات من خصومه بتمويل خارجي خليحي اساساً. ويقدم حزب النهضة الغائب عن المشهد السياسي التونسي العلني منذ سنوات، نفسه خلال الإنتخابات في صورة حزب "الأيادي النظيفة" و"الحامل لقيم وأخلاق" بعد عهد بن علي الذي تميز بالعسف والفساد. وهو يعلن قربه من النموذج الاسلامي التركي. وقد سعى للطمأنة واعداً بالخصوص بعدم المس بقوانين المرأة الحداثية العريقة في تونس. في المقابل بدا "الحداثيون" القلقون من المساس بالحريات ومن سرقة نصر على الديكتاتورية بعد نضال إستمر سنوات ضد بن علي، منقسمين. ولم ينجح الحزبان المتننافسان التكتل من أجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر والحزب الديموقراطي التقدمي بزعامة أحمد نجيب الشابي، في الاتفاق على إقامة جبهة ضد الاسلاميين. وفي حين يؤكد حزب الشابي خلال حملته أنه مستعد للتحالف مع أي طرف "باستثناء النهضة" فان حزب بن جعفر قال أنه يفضل انتظار نتائج الانتخابات للتفاوض ويرفض الاستقطاب الثنائي في الساحة السياسية التونسية. من جهته دعا "القطب الديموقراطي الحداثي" وهو تحالف من خمس تشكيلات حول حزب التجديد (الشيوعي سابقا) الى اليقظة في في مواجهة الإسلاميين وأيضاً أنصار الحزب الحاكم سابقاً، ورفض فكرة أي تحالف قبل الإنتخابات. ويراهن أنصار الحزب الحاكم الذي كان تم حله في آذار(مارس) الماضي بقرار قضائي، على وجودهم لعقود بلا منازع في دواليب الدولة وشكلوا العديد من الاحزاب التي يقول متابعون للساحة التونسية انها تناهز الاربعين من حوالي 120 حزبا سياسيا في تونس. ويزيد من تعقيد المشهد السياسي التونسي وجود مئات القوائم المستقلة. وللمرة الاولى في تونس تنظم الإنتخابات التي سيضمن أمنها اكثر من أربعين ألف عنصر من قوات الجيش والأمن، "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" ويتوقع ان تعلن هذه الهيئة نتائج الانتخابات الاثنين (24 تشرين الأول/أكتوبر).