تزامن افتتاح الدورة الثالثة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وبدء جلسات البرلمان المصري الجديد الذي تهيمن عليه غالبية إسلامية، في اليوم التالي، مع تحرّك يدعو إلى استئصال بقايا النظام السابق في المؤسسة الثقافية الرسمية والنص على حرية الرأي والإبداع في الدستور الجديد للبلاد. وتجلى هذا التحرك، في أحدى زواياه، في هجوم حاد على وزير الثقافة المصري شاكر عبدالحميد، على خلفية التشكيل الجديد للجان المجلس الأعلى المصري للثقافة. ويستمر المعرض حتى 7 شباط (فبراير) المقبل، تحت شعار «عام على ثورة 25 يناير»، بمشاركة 29 دولة، في مقدمها تونس باعتبارها «ضيف الشرف»، ويتوقف نشاطه يومي 25 و26 الجاري «لإتاحة الفرصة للشرطة لتأمين منشآت حيوية»، أثناء تظاهرات متوقعة في الذكرى الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير. ولوحظت مشاركة وزير الثقافة المصري في تظاهرة نظمها مثقفون الاثنين انطلقت من ساحة دار أوبرا القاهرة حيث يقع مقر المجلس الأعلى للثقافة إلى مبنى مجلس الشعب أثناء انعقاد جلسته الأولى وتردد خلالها هتاف «يسقط حكم العسكر». أجيال محبطة وطالب بيان وقع عليه عدد من المثقفين المصريين، بينهم الشاعر محمود قرني والناقد يسري عبدالله والروائي فتحي امبابي، بإقالة عبدالحميد من منصبه، لأنه يعمل على «استمرار الفساد في وزارة الثقافة». وجاء في البيان أن تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة، وعددها 26 لجنة، «جاء محبطاً لآمال الأجيال المقموعة، وتكريساً مخزياً للسياسات الفاسدة التي تمثل التركة الأفدح في تاريخ وزارة الثقافة». وأصدر الشاعر والمترجم رفعت سلام بياناً منفصلاً عبر فيه عن استيائه من ورود اسمه ضمن أعضاء لجنة الترجمة «من دون استشارتي أو إخباري». ورأى سلام أن ذلك «قد يشير إلى أن إرادة الكاتب لا تزال محذوفة من قواميس وزارة الثقافة، ولا اعتبار لها، شأن ما كان يجري - بالتمام والكمال - قبل الثورة». وقال سلام إنه لاحظ كذلك أن اللجان في تشكيلها الجديد «تعج بديناصورات الثقافة في مجالات مختلفة ممَّن كانوا مخلصين في خدمة نظام مبارك». ولاحظ كذلك أن مطالبات المثقفين «المزمنة» بإعادة هيكلة وصياغة المجلس، والتي تم تجديدها بعد الثورة، من خلال مشاريع فردية وورش عمل، قد ضُرب بها عرض الحائط تماماً، وعاد المجلس إلى صيغته السابقة، ك «حظيرة» حكومية للمثقفين، وفق التعبير الأثير لفاروق حسني»، وزير الثقافة السابق. واختتم بالقول: «إن ضميري لا يسمح لي بقبول تعييني عضواً في المجلس، في ظل هذا الوضع الذي لا تزال تسيل فيه دماء الشهداء، فيما يتم الاحتفاء بالقتلة». وبادر كل من القاصين منصورة عز الدين وأحمد زغلول الشيطي والشاعرة فاطمة قنديل برفض اختيارهم ضمن أعضاء لجنتي القصة والشعر، وأصدر الثلاثة بياناً أكدوا فيه أنهم فوجئوا باختيارهم، وأشاروا إلى أنهم يرفضون تلك العضوية بناءً على رؤيتهم أن «النظام السابق لا يزال باقياً»، وأن ضمائرهم «لا تسمح لهم بقبول العضوية والصمت أمام دماء الشهداء والمصابين، الذين لم تجر محاكمات عادلة ضد الانتهاكات التى تعرضوا إليها، ومن الممكن أن يتعرض لها آخرون مستقبلاً»، مؤكدين أن موقفهم هذا لا ينتقص من قدر زملائهم الذين قبلوا العضوية. ورأى الشاعر شعبان يوسف، الذي اختير عضواً في لجنة الشعر، أنه «إذا كان الاحتجاج نابعاً من وجود بعض الأسماء التي عملت تحت راية النظام السابق، فإن هذه حجة واهية، لأن الجميع عملوا تحت راية ذلك النظام». وأضاف يوسف أننا «مطالبون بالوجود في لجان المجلس الأعلى للثقافة الآن أكثر من أي وقت مضى، لإبطال عمل الانتهازيين الساكنين فيها»، وذكر أنه «على المثقفين المحتجين، أن يشكلوا كياناً آخر، ليكونوا مستقلين قولاً وفعلاً». هوية ثقافية وكان بيان إعلان أسماء أعضاء المجلس الصادر عن مكتب وزير الثقافة المصري، أكد أن أربعة فقط اعتذروا عن عدم قبول انضمامهم إلى لجان المجلس الأعلى للثقافة هم سعيد توفيق (لجنة الفلسفة)، وعادل السيوي (لجنة الفنون التشكيلية)، وناهد صالح (لجنة الدراسات الاجتماعية)، وبهاء جاهين (لجنة الشعر). ولوحظ أن التشكيل لم يتضمن جديداً إلا في حدود ضئيلة للغاية، فلجنة الشعر، على سبيل المثل ضمت مجدداً بين أعضائها، كلاً من أحمد عبدالمعطي حجازي وفاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبو سنة وحسن طلب وسيد حجاب ومحمد عبدالمطلب، إلا أن انتخاب مقررها أسفر عن مفاجأة تمثلت في اختيار الشاعر ماجد يوسف واستبعاد حجازي الذي احتكر هذا المنصب طويلاً في الماضي. وركزت الاحتجاجات كذلك على اختيار جابر عصفور عضواً في لجنة الدراسات الأدبية، ما اعتبره المحتجون دليلاً على احتفاظ رموز النظام السابق بنفوذهم داخل المجلس الأعلى للثقافة، وكأن الثورة لم تحدث. إلى ذلك استبق اتحاد الناشرين المصريين، الذي يعد شريكاً أساسياً في تنظيم معرض القاهرة للكتاب، انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الشعب (البرلمان) المصري، بإصدار بيان يطالب بتمثيله في لجنة اعداد الدستور الجديد للبلاد «باعتباره أحد مؤسسات المجتمع المدني المعنية والمهتمة بالمشاركة في صياغة الدستور الجديد». وعلى صعيد متصل أصدرت حركة «الدستور الثقافي» التي تضم عدداً من المثقفين المصريين بياناً عشية الذكرى السنوية الأولى لانطلاق ثورة 25 يناير أكدت فيه أن «الثورة لن تستكمل مشروعها - على مختلف الأصعدة - من دون تحقيق ثورة ثقافية، تؤكد حريات الاعتقاد والإبداع والنشر، في المجالات كافة». وجاء في بيان الحركة أن الانتخابات البرلمانية، التي أجريت أخيراً، «ليست سوى جزء ضئيل من استحقاقات الثورة». وطالبت بالتكاتف ومواصلة النضال من أجل تحقيق تلك الاستحقاقات كاملة. وطالبت بأن يتضمن الدستور الجديد للبلاد المواد التالية: 1- الهوية المصرية مركبة، وتتضمن الحضارات المصرية القديمة، والقبطية، والعربية الإسلامية، والثقافات الفرعية، والثقافة الشعبية، ومكتسبات الثقافة العالمية، فيما تمتلك «العربية الاسلامية» مكانة خاصة فى قلب الهوية المصرية. 2- الحرية هي الأصل؛ ولا بد من ضمان الحرية الكاملة للفكر والاعتقاد، وحرية ممارستها بالأشكال كافة. 3- الثقافة - إبداعاً وتلقياً- حق أصيل لكل المواطنين. واختتمت بالقول: «إن واجب المثقفين اليوم أن يقفوا فى الميدان جنباً إلى جنب الثوار، إلى أن يتم تحقيق مطالب الثورة كاملة، وإنجاز الثورة الثقافية المنشودة». وأطلق «المركز المصري لتنمية الوعي بالقانون»، على صفحته على «فايسبوك» حملة بهدف توعية المواطنين بمفردات الحد الأدنى الكافي للثقافة الدستورية، «انطلاقاً من قاعدة أن الشعب هو مصدر السلطات، وتتويجاً للمكتسبات الاشتراعية للثورة المصرية».