يتصدر المشهد السياسي المصري، جدل قانوني واسع لم يحسم منذ 11 فبراير، عندما تنحى الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم، وتسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الأمور، بموجب الاعلان الدستوري الذي جرى الاستفتاء عليه وتم إقراره بأغلبية واضحة. محاور الجدل القانوني متعددة وإن كان أبرزها أسبقية إعداد دستور جديد أم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية طبقاً للجداول الزمنية الواردة في الإعلان الدستوري، ومحور آخر حول دور المجلس الأعلى للقوات المسلحة وشرعية التشريعات التي تصدرها بمراسيم، وكذلك المحاكمات القانونية أمام القاضي الطبيعي لرموز النظام السابق وعلى رأسها الرئيس السابق وأسرته. يتوازى مع هذا الجدل وربما يسبقه حديث جموع من الشعب المصري حول الشرعية الثورية بما يتيح تسريع المحاكمات بدلاً من المحاكمات القانونية التي تتطلب المزيد من الوقت والمزيد من الأدلة والقرائن القانونية والتي قد لا تتوفر لجهات التقاضي، وما زال الجدل مستمراً حول النظام السياسي وهل يكون رئاسي مع الحد من سلطات رئيس الدولة، أم برلماني، ويتفرع عنه جدلاً حول هوية الدولة المصرية وهل هي مدنية كما يطالب الليبراليون، أم دينية كما يطالب بها الإسلاميون، أم مدنية ذات مرجعية دينية كما هو الحال في النموذج التركي. «المدينة» طرحت هذا الجدل على ثلاثة من فقهاء القانون الدستوري في محاولة لاستقراء خارطة طريق مصرية تطبق القانون، وترسي دعائم دولة المؤسسات، ولا تتعارض او تثير مخاوف شباب الثورة بكل مكوناتها. درويش: دستور جديد “فريضة” والانتخابات “نافلة” وصف الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش، إعداد دستور جديد للبلاد بالفريضة واجبة الأداء ودون تأخير، في المقابل وصف إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالنافلة التي يجوز تأخيرها، لكن لا يجوز ان تسبق النافلة للفريضة، مؤكدا على أن ثورة 25 يناير، أنهت عهداً وبدأت عهداً جديداً، ويجب أن يقوم العهد الجديد على أساس ديمقراطي حقيقي ويكون المواطن المصري محوره الرئيسي وأساسه ويتمتع بكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأضاف درويش: لي تحفظ على المسميات التي يطلقها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في بياناته، ككلمة مرسوم والأصوب دستوريا ان تسمى «قرارات بقوانين» وليست «مراسيم بقوانين»، أما ما يخص الإعلان الدستوري الذي صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجرى الاستفتاء عليه، قال درويش: إن الدستور هو البناء الهندسي للنظام السياسي، وقد بدأنا عهدا جديدا بشرعية الثورة والجيش جزء من شرعية الثورة ومن المقرر ان يدير المجلس الأعلى مصر طوال المرحلة الانتقالية، موضحا أنه منذ سقوط النظام السابق وتعطيل الدستور، أصبح رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الذي يمثل الدولة أمام كافة الجهات في الداخل والخارج. وأضاف درويش انه منذ الاستفتاء على الإعلان الدستوري أصبحنا أمام برنامج سياسي واجب النفاذ طبقا لما أعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وستتم عدة انتخابات متلاحقة في فترة زمنية وجيزة، وهي انتخابات مجلسي الشعب والشورى وانتخابات رئاسية، ثم حل مجلسي الشعب والشورى بعد انتخاب الرئيس وإجراء انتخابات جديدة وبدستور جديد، وهذه عملية شاقة ويمكن ألا تفرز الأصلح، مشيرا إلى أنه كان من الأصوب أن يدير المجلس الأعلى البلاد ويشكل لجنة محايدة لصياغة الدستور وبعدها تجرى الانتخابات. وينحاز درويش إلى النظام الرئاسي مع الحد من سلطات رئيس الدولة لأنه الأنسب لمصر؛ بسبب هشاشة التجربة الحزبية في مصر والتي تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تكتسب القوة والمناعة التي يتطلبها النظام البرلماني. فرحات: نريد قضاة يحاكمون ب“الثورة” وليس ب “القانون” أكد الفقيه الدستوري الدكتور محمد نور فرحات على ضرورة صياغة دستور جديد قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المعلن عنها في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مشددا على أن الدستور أولا قبل إجراء انتخابات مجلس الشعب. واقترح تشكيل لجنة لوضع الدستور تتمثل فيها كافة التيارات والقوى السياسية ويحدث عليها توافق مجتمعي ويتم طرحها ككل للاستفتاء الشعبي، مؤكدا أن القواعد تسبق البناء. وأبدى فرحات قلقه من أن يتحول الدستور الذي يصاغ بعد الانتخابات إلى البرنامج الانتخابي للأغلبية بالمجلس والتي قد تتحول لأقلية في دورة أخرى بينما من المفترض أن يكون الدستور ثابتا ومحايدا. ودعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى تعديل مادة واحدة في الإعلان الدستوري ينص على تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد قبل إجراء الانتخابات المتوقعة في سبتمبر المقبل، حسب ما جاء في الإعلان الصادر عن القوات المسلحة، مشيرا إلى أن القواعد دائما تسبق البناء، وأن مصر الجديدة الآن في حالة بناء، وأن دعوته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة تتسق مع حكم المحكمة الدستورية العليا عام 1994م والذي أكد أن اللجنة التأسيسية هي أعلى سلطة في الدولة وأن ما جاء في الإعلان الدستوري يتعارض مع هذا الحكم لأن الإعلان الدستوري يطلب من البرلمان المقبل ودون علم بماهية تشكيلته الجديدة وهي تشكيل لجنة لها سلطات أعلى منه وهي اللجنة التأسيسية. وتابع فرحات أن تحصين مصر من قدوم رئيس مستبد لن يتحقق إلا بتفعيل قانون محاكمة رئيس الجمهورية وحرمان الرئيس من سلطة تعديل الدستور، ويكفي ما جنته مصر في العقود السابقة. وأوضح فرحات أنه يخشى أن تسفر محاكمات الرئيس السابق مبارك ونجليه ورموز نظامه عن «لا شئ»، محذرا من أن القضاة يحكمون بالقانون وليس بالثورة وأن قضايا الكسب غير المشروع قد لا تؤدي إلى نتيجة ويتم الحكم ببراءة المتهمين، مضيفا: أخشى ان تنتهي القضايا بمثل ما انتهت إليه قضية عبدالحميد حسن محافظ الجيزة عام 2004 بعدم دستورية التهمة لمخالفتها قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، حيث انها تعتمد على إدانة المتهم حتى يثبت براءته. وقال: إن قضايا قتل المتظاهرين يجب أن يكون بها أدلة يقينية جازمة أكبر من اعتراف متهمين على بعضهم، مطالبا تفعيل قانون محاكمة الرؤساء بتهمة الخيانة العظمى - الذي وضعه جمال عبدالناصر- ومنها تزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية. البسطويسي: الدستور يضمن محاكمات عادلة وشفافة بلا تهاون ولا تصالح دعا المرشح الرئاسي ونائب رئيس محكمة النقض المستشار هشام البسطويسي إلى وقف الجدل الحاصل الآن في الساحة المصرية، حول أيهما يسبق الآخر الدستور أم الانتخابات، محذرا من أن ذلك قد يقود إلى مزيد من الانقسام في قوى الثورة، وقد يفضي إلى مزيد من الاتقسام المجتمعي ما بين ليبرالي وعلماني وسلفي، مشيرا إلى أن مثل هذه التقسيمات تضر بالثورة وتضر بالمجتمع المصري. وقال: إن الانقسام خطير ولابد من وقفه حتى لا نخسر الثورة ونخسر التغيير وفي النهاية لا نطول انتخابات برلمانية ورئاسية. وأرجع بسطويسي الجدل في المشهد السياسي في مصر الآن إلى غياب الرؤية وغياب البرنامج للمرحلة الانتقالية، وضعف الأمن وتزايد الضغوط الاقتصادية. وقال بسطويسي: إنه مع الرأي الذي يدعو إلى وضع دستور جديد للبلاد ثم إجراء انتخابات بعد إنجاز الدستور، مستدركا : يجب أن يحترم الجميع رأي الأغلبية وهو الانتخابات أولا وهنا يجب أن يتوقف الجدل في الساحة ونستعد لهذه الانتخابات. وأوضح أن محاكمة رموز النظام السابق يجب أن تتم في إطارها القانوني وطبقا للإجراءات الدستورية، مشيرا إلى انه كقاضي يميل إلى التدابير الاحترازية قبل العقوبة ولا يعني هذا التهاون أو التصالح مع الفاسدين الذين يثبت تورطهم من رموز النظام السابق وفي إطار محاكمة عادلة وشفافة وان كانت بعض قوى الثورة تطالب بمحاكمة سياسية لرموز النظام السابق، وأنا اعتقد أن مثل هذه المحاكمات السياسية ستشعر الشعب بالراحة، وسوف تمنع مثل هذه المحاكمات عناصر النظام السابق من الفاسدين من العودة مرة أخرى للحياة السياسية. وأضاف أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتمتع بالشرعية ويستمد شرعيته من الثورة وليس من النظام السابق، لكن شرعية قرارات المجلس الأعلى تتحقق فقط بقبول الشعب لهذه القرارات وهو ما أكدته قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأن المجلس الأعلى ليس فوق المساءلة من الشعب المصري. ويرى بسطويسي ان نموذج النظام السياسي الفرنسي هو الأنسب لمصر وهو نظام يجمع بين البرلماني والرئاسي، وأن هذا النظام يخضع رئيس الدولة ورئيس الحكومة لرقابة البرلمان، مؤكدا انحيازه للدولة المدنية مع الحفاظ على الهوية المصرية الإسلامية وهي هوية ثقافية.